من المثال على فهم الدلالة على النفي ، بل على عدم الإتيان بالمأمور به على ما سبق تحقيقه في دفع الإشكالات المتقدّمة.
ومنها : ما عنه أيضا من أنّ الغالب في المحاورات خصوصا في كلام البلغاء إرادة المفهوم من الأوصاف وقصد الاحتراز من القيود ، فيحمل عليه المشتبه إذ المظنون لحوقه بالأعمّ الأغلب.
وجوابه : منع الغلبة ، فإنّا لا نجد في غالب موارد التقييد بالصفة إلاّ عدم الدلالة على الثبوت وهو أعمّ من الدلالة على النفي ، والغالب في القيود كونها للتوضيح مع المعارف وللتخصيص مع النكرات ، وهو حاصل مع عدم إرادة المفهوم كما سبق ، وكون الأصل فيها الاحتراز لا يراد به الغلبة بل قاعدة أولويّة التأسيس من التأكيد ، وهذه القاعدة على إطلاقها ليست بمسلّمة عندنا.
ومنها : قول أبي عبيدة في قوله (١) صلىاللهعليهوآله : « ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه » أنّه يدلّ على أنّ ليّ غير الواجد لا يحلّ عقوبته وعرضه ، وفي قوله (٢) صلىاللهعليهوآله : « مطل الغنيّ ظلم » أنّه يدلّ على أنّ مطل غير الغنيّ ليس بظلم ، وقوله حجّة لأنّه من أهل اللغة.
واجيب عنه تارة : بأنّه ليس حاكيا عن اللغة بل مجتهد فيها فلا اعتداد بقوله.
واخرى بأنّه معارض بما عن أخفش وجماعة من أهل العربيّة من أنّ وضع الصفة للتوضيح فقط لا للتقييد ، وأنّ مجيئها للتقييد خلاف الوضع ، وربّما يتأيّد ذلك بالشهرة بين الاصوليّين.
ومنها : ما عن ابن عبّاس من أنّه فهم من قوله تعالى : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ )(٣) منع توريثها مع الولد ، وليس ذلك إلاّ من جهة التوصيف.
وجوابه : منع استناد فهمه إلى حاقّ اللفظ ، كيف وأنّ التبادر إنّما يصلح للاستناد إليه إذا علم به في أغلب موارد استعمالات العرف كما قرّر في محلّه ، فلا يجوز التعويل عليه بمجرّد ثبوته في محلّ واحد ، لجواز استناده إلى قرينة خفيّة ، ولا أثر لأصل العدم بالنسبة إليه لابتناء اعتباره على الفحص والبحث.
ومنها : أنّه لو لم يدلّ على ذلك لزم الاشتراك بين المسكوت عنه والمذكور في الحكم
__________________
(١ و ٢) عوالي اللآلي ٤ : ٧٢ ومستدرك الوسائل ١٣ : ٣٩٧ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٩ ص ٧٠.
(٣) النساء : ١٧٦.