أمّا الملازمة : فلكون كلّ منهما كلاما مقيّدا بالوصف ، وأمّا بطلان التالي : فلأنّا نقطع أنّ من قال : « في الشام الغنم السائمة » لم يدلّ على خلافه أي : « ليس في الشام الغنم المعلوفة »
واجيب عنه تارة : بمنع بطلان التالي ، واخرى : بمنع الملازمة ، فإنّ حاصل ما ذكر في بيان الملازمة هو القياس وهو غير معتبر في إثبات اللغة.
والحقّ أن يقال : إنّ الملازمة تثبت بعدم القول بالفرق وبطلان التالي أيضا مسلّم ، ولكنّه لا يجدي في ثبوت المطلوب ، لأنّ أقصى ما هنالك أنّ التعليق في هذا التركيب الخاصّ لا يدلّ على النفي وهو أعمّ من المدّعى ، إذ قد يكون عدم الدلالة من جهة القرينة ولعلّ قرينة المقام مانعة من الدلالة هنا ، وهي قضاء العادة بعدم انحصار غنم الشام في السائمة وأنّ فيه معلوفة أيضا البتّة ، وإنّما اقتصر المتكلّم على ذكر السائمة لغرض له مختصّ بها ، ولعلّه في المقام رفع ما عساه يتوهّم من خلوّ الشام عن السائمة.
ومنها : ما فيهما أيضا من أنّه لو صحّ أنّ تعليق الحكم على الوصف يدلّ على نفيه عمّا عداه لما صحّ « أدّ زكاة السائمة والمعلوفة » كما لا يصحّ « لا تقل لهما افّ واضربهما ».
أمّا الملازمة : فلعدم الفائدة ، لأنّه كان حينئذ يغني عن ذكر السائمة والمعلوفة قوله : « أدّ زكاة الغنم » وللزوم التناقض لأنّ وجوب زكاة السائمة لو كان دالاّ على عدم وجوبها في المعلوفة كان التعقيب بوجوب الزكاة في المعلوفة جاريا مجرى « لا تجب الزكاة في المعلوفة وتجب الزكاة فيها » وهو تناقض.
والجواب : أنّ التناقض إن اريد به الواقعي فالملازمة ممنوعة ، لأنّ الدلالة على تقدير ثبوتها مبنيّة على الظاهر والتخلّف عن الظاهر مع القرينة أمر جائز ، فذكر « المعلوفة » عقيب « السائمة » قرينة مرشدة إلى عدم اعتبار الظاهر ، فلا تناقض في الواقع كما هو الحال في مثل قولك : « إن جاءك زيد فأكرمه » و « إن لم يجئك فأكرمه ».
ولا يقاس ذلك على قوله : « لا تقل لهما افّ واضربهما » لأنّ الدلالة في ذلك قطعيّة ناشئة عن الملازمة العقليّة الحاصلة من جهة الأولويّة القطعيّة ، والتخلّف في مثله غير جائز عقلا ، بخلاف الملازمة الظنّيّة المستندة إلى الوضع أو العرف ، فإنّها ممّا يجوز التخلّف عنها بقيام ما يوجب العدول عن مقتضى الوضع أو العرف.
وإن اريد به الظاهري فبطلان التالي ممنوع ، كيف وهو ليس بعادم النظير فيما بين الظواهر والدلالات اللفظيّة ، وإلاّ امتنع التعارض فيما بين النصّ والظاهر بجميع أنواعهما