الثاني : لا فرق على المختار من أصالة عدم التداخل بين ما لو توالت الأسباب من غير أن يتخلّل بينها الإتيان بالمسبّب ، كما لو بال وقام قبل أن يأتي بينهما بوضوء ، أو وطىء الحائض مرّتين قبل التكفير للمرّة الاولى ، وما لو توالت الأسباب مع تخلّل الإتيان بالمسبّب بينهما ، كما لو بال وتوضّأ ثمّ نام ، أو وطئ الحائض وكفّر ثمّ وطئ ثانيا ، بل الثاني أولى بعدم التداخل أخذا بقضيّة السببيّة في السببين اللذين لم يطرئهما عنوان الاجتماع على مسبّب واحد الّذي يتأتّى منه ذهاب الوهم إلى عدم تطرّق التأثير إلاّ في مسبّب واحد ، ولأجل ذلك لم يعهد من أهل القول بالتداخل القول به في ذلك الفرض ، ولا أنّ أدلّتهم تجري هنا ولا أظنّ أحدا منهم التزم به ، كيف وهو مفض إلى إنكار السببيّة أو المعرّفية بالمرّة كما لا يخفى.
ولذا ترى أنّ النراقي قال في عوائده : « إجزاء الواحد وأصالة التداخل إنّما هو مع عدم مسبوقيّة السبب الثاني بالمسبّب الأوّل كما لو بال وقام قبل التوضّؤ للبول ، أو وطئ في الحيض مرّة ثانية قبل التكفير للأوّل ، وأمّا مع المسبوقيّة فلا إشكال في أصالة عدم التداخل ، إذ امتثال الأمر الثاني لا يحصل إلاّ بذلك ، وكذا تأثير السبب الثاني في السببيّة وهذا ظاهر جدّا ، فلو بال وتوضّأ ثمّ نام يتوضّأ ثانيا ، وكذا لو وطئ وكفّر ثمّ وطئ كفّر ثانيا.
ويظهر من كلام بعضهم في مسألة الوطء في الحيض عدم التكرير مع المسبوقيّة أيضا وهو فاسد » انتهى (١).
فما يقال : من أنّ هذا الكلام وإن كان حقّا إلاّ أنّه مناف لجملة من أدلّتهم السالفة لم نتحقّق معناه ، ولعلّه ممّا لا وجه له.
الثالث : قضيّة دليلنا المتقدّم على أصالة عدم التداخل عدم الفرق بين ما لو اتّحدت المسبّبات في الحكم من وجوب أو استحباب كما لو كان الجميع واجبا أو مندوبا وما لو اختلفت في الوجوب والاستحباب ، كما لو قال : « اغتسل للجنابة ، واغتسل للزيارة ، واغتسل لمسّ الميت ، واغتسل للجمعة » و « إذا قمت إلى الصلاة فتوضّأ ، وإذا قرأت القرآن فتوضّأ » ونحو ذلك ، ومقتضى أكثر أدلّة هؤلاء وقوع التداخل في الثاني أيضا.
ومن الأعاظم من صرّح بأنّ الأصل عدم إجزاء النفل عن الفرض والفرض عن النفل ، وقال : « ذلك هو المعبّر في كلامهم بأنّ النفل لا يجزي عن الفرض والفرض عن النفل » بل عن الشهيد رحمهالله حكاية الاتّفاق على الثاني في الاصول.
__________________
(١) عوائد الأيّام : ١٠٧.