المصير إليه أخذا بظاهر الحجّة واحترازا عن طرح الأدلّة بلا داع إليه ولا باعث عليه.
غاية الأمر أن تقول : بأنّ ذلك أخذ بظاهر وهو اقتضاء السببيّة تعدّد المسبّب عند تعدّد السبب وطرح لظاهر آخر وهو اقتضاء الواحد بالنوع تعلّق الأمر به من حيث هو لا من حيث الوجود ، فإنّ الوجود أمر زائد على الطبيعة فاعتباره معها يخالف الحاصل والظاهر.
فنقول : يرجع المقام حينئذ إلى تعارض الأظهر والظاهر ، فإنّ القضيّة السببيّة أقوى ظهورا في نظر العرف والعادة في تعدّد المسبّب عند تعدّد السبب من ظهور المسبّب في الطبيعة من حيث هي ، وإن كان منشأ الظهورين في كلا المقامين هو الإطلاق والسكوت عن القيد في معرض البيان ، فيرجّح الأوّل على الثاني.
بل لنا أن نقول : بأنّه لو قطعنا النظر عن هذا الظهور لكفانا ظهور تعدّد الأوامر في تعدّد الطلبات والمطلوبات في مؤنة طرح ما ذكر من الظهور المستند إلى الإطلاق.
فإنّ المفروض أنّ كلّ سبب من الأسباب المتعدّدة متحيّز (١) بأمر مستقلّ ، ولا ريب أنّ الأمر يقتضي طلبا ومطلوبا اقتضاء وضعيّا على ما قرّرناه في محلّه ، فيلزم أن يكون تعدّده مقتضيا لتعدّد الطلب والمطلوب ، وإلاّ يلزم على تقدير حمل المتعدّد على المتّحد طرح الظاهر وأصالة الحقيقة بلا قرينة التجوّز ، فلذا صار الأصل في مثل « صلّ ركعتين ، صلّ ركعتين » التأسيس ، بالحمل على تعدّد المكلّف به حتّى قامت القرينة على إرادة التأكيد المستلزم لكون المكلّف به واحدا ، وحصل التعارض في مثل « صلّ ركعتين ، صلّ الركعتين » بين ظهورين : ظهور « اللام » في إرادة العهد وظهور الصيغة في المغايرة ، وحصل الخلاف فيما بينهم في ترجيح أحد الظهورين على الآخر.
ومن البيّن أنّ الظهور الوضعي متى ما عارضه الظهور الإطلاقي كان مقدّما عليه.
والسرّ فيه : أنّ الظهور الإطلاقي إنّما يثبت في موارده من جهة منافاة الحكمة وصون خطاب كلام الحكيم عن كونه خطابا بما له ظاهر وإرادة خلافه كما في « أحلّ الله البيع » لو كان المراد به الفرد معيّنا أو غير معيّن.
ولا ريب أنّ الظهور الوضعي حيثما ثبت كان رافعا للمنافاة ومخالفة الحكمة فيرتفع به الظهور الناشئ عنهما بحكم العقل.
لا يقال : إنّ ظهور المطلق في الطبيعة أيضا وضعيّ لأدائه إرادة خلافها تجوّزا في اللفظ
__________________
(١) كذا في الأصل.