واحتجّ موافقوه ـ مع ذلك ـ : بأنّه لو كان انتفاء الشرط مقتضيا لانتفاء ما علّق عليه ، لكان قوله تعالى : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ) (١) دالا على عدم تحريم الإكراه ، حيث لا يردن التحصّن ، وليس كذلك ، بل هو حرام مطلقا*.
والجواب عن الأوّل : أنّه ، إذا علم وجود ما يقوم مقامه ، كما في المثال الذي ذكره ، لم يكن ذلك الشرط وحده شرطا. بل الشرط حينئذ أحدهما ؛ فيتوقّف انتفاء المشروط على انتفائهما معا ؛ لأنّ مفهوم أحدهما لا يعدم إلاّ بعدمهما. وإن لم يعلم له بدل ، كما هو مفروض المبحث ، كان الحكم مختصّا به ، ولزم من عدمه عدم المشروط ، للدليل الّذي ذكرناه.
________________________________
الاستشهاد بآية الاستشهاد (٢) ولكنّه ينكر إفادتها كونه سببا على التعيين وعلى وجه الانحصار ، واستند في ذلك الى عدم امتناع تعدّد الأسباب ، ونيابة سبب آخر عن السبب المذكور في القضيّة في صورة انتفائه.
ويرد عليه : أنّ القول بإفادة التعليق على الشرط انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط لا يرجع إلى دعوى الامتناع حتّى يقابل بنفي الامتناع الّذي أقصاه قيام الاحتمال ، بل يبنى على دعوى الظهور في التعيين والانحصار الملازم للانتفاء عند الانتفاء ، وهذا لا ينافي الاحتمال كما أنّ الاحتمال لا يعارض الظهور ، وأمّا ما قام فيه دليل من الخارج على التعدّد والنيابة فلا كلام.
وبذلك ظهر أنّ محلّ البحث على عكس ما ذكره من أنّه : « إنّما نعلمه في بعض المواضع بدليل منفصل ».
(١) * والتحقيق في جوابه : أنّ الشرط المذكور بعد النهي في الآية كالشرط المذكور بعد النهي في مثل : « لا تشرب الخمر إن كنت مؤمنا » لم يقصد به حقيقة التعليق ، وهو تعليق الجزاء على الشرط بحيث يترتّب وجوده على وجوده وعدمه على عدمه ، كما هو قضيّة السببيّة على التعيين ، بل يقصد به تعليل الحكم به على معنى ورود الشرطيّة في الكلام
__________________
(١) النور : ٣٣.
(٢) والمراد بآية الاستشهاد هو قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ).