وعن الثاني بوجوه : أحدها ـ أنّ ظاهر الآية يقتضي عدم تحريم الإكراه إذا لم يردن التحصّن ، لكن لا يلزم من عدم الحرمة ثبوت الإباحة ؛ إذ انتفاء الحرمة قد يكون بطريان الحلّ ، وقد يكون لامتناع وجود متعلّقها عقلا ؛ لأنّ السالبة تصدق بانتفاء المحمول تارة وبعدم الموضوع اخرى. والموضوع هنا منتف ، لأنّهنّ إذا لم يردن التحصّن فقد أردن البغاء ومع إرادتهنّ البغاء* (١) يمتنع إكراههنّ عليه ؛ فإنّ الإكراه هو حمل الغير ما يكرهه. فحيث لا يكون كارها يمتنع تحقّق الإكراه. فلا يتعلّق به الحرمة.
________________________________
لتعليل الحكم بالشرط المذكور في القضيّة ليفيد عموم وجوده حيثما وجد الشرط ، على وجه ينتظم به في حاصل المعنى قياس مشتمل على كبرى كلّيّة على حدّ المنصوص العلّة ، فيكون تقدير المثال المذكور : « لا تشرب الخمر لأنّك مؤمن ، وكلّ مؤمن يحرم عليه شرب الخمر ، فأنت يحرم عليك شرب الخمر ».
وهذا كما ترى لا يقتضي انتفاء الحكم حيثما ينتفي الشرط المعلّل به ، بل لا يقتضي كون الشرط المعلّل به سببا مؤثّرا في وجود الحكم فضلا عن اقتضائه انتفاء الحكم عند انتفائه ، لجواز كون العلّة المؤثّرة في وجوده أمرا مشتركا بين ذلك الشرط وغيره ممّا يضادّه كالإيمان والكفر في المثال المذكور ، أو يناقضه كإرادة التعفيف وعدم إرادته في الآية ، فلا يلزم الانتفاء عند الانتفاء على التقديرين.
وإن شئت فاستوضح جميع ما بيّنّاه من ملاحظة ما لو قيل : « العالم حادث إن كان متغيّرا » فإنّه في حاصل المعنى يؤول إلى قولنا : « العالم حادث لأنّه متغيّر ، وكلّ متغيّر حادث » مع عدم كون التغيّر علّة لوجود الحدوث كما هو واضح.
وهذا هو معنى ما قد يقال « من كون القيد الوارد بعد النهي للعلّة » فإنّ المراد به في المثال المذكور ونظائره الّتي منها الآية كونه للتعليل ، وإن لم يكن الشرط المعلّل به علّة مؤثّرة في وجود الحكم في نفس الأمر.
(١) * فيه : منع واضح ، لأنّ عدم إرادة التحصّن ليس بعين إرادة البغاء ولا مستلزما له ، لثبوت الواسطة المقتضية لانتفاء إرادة التحصّن وإرادة البغاء معا ، كما في صورة ما لو لم يكن البغاء