باتّفاق الفريقين والثاني مختار للأوّلين وهو الّذي تسلّمه الأشاعرة أيضا.
نعم يحصل المخالفة بينهما لو قالت الأشاعرة بالثالث ، كما قال به جملة من أصحابنا وهو باطل ، والّذي يدلّ عليه مضافا إلى ما قدّمنا ذكره امور :
منها : ما في شرح منهاج البيضاوي عند شرح كلام البيضاوي في هذا المقام من قوله : « قد عرفت أنّ الوجوب حكم متعلّق بفعل المكلّف ، فهذا المتعلّق لا يخلو من أن يكون معيّنا كالصلاة والصوم أو غير معيّن ، وغير المعيّن لا يخلو من أن يكون من بين امور معيّنة أو من بين امور غير معيّنة ، والثاني محال لامتناع التكليف والأوّل يسمّى بالواجب المخيّر كالخصال الثلاث في الكفّارة ».
وجه الدلالة : أنّه جعل متعلّق الوجوب فعل المكلّف كما هو الضابط في جميع الأحكام.
ولا ريب أنّ المفهوم المنتزع أمر اعتباري وليس من فعل المكلّف في شيء ليكون متعلّقا للوجوب عند هذا القائل.
ومنها : ما في كلام ذلك أيضا من قوله : « وعند المعتزلة الوجوب متعلّق بمجموع خصال الثلاث ، بمعنى أنّه لا يجوز للمكلّف ترك الجميع ولا يجب عليه أيضا الإتيان بالجميع ، بل لو فعل واحدا منها لتأدّى به الواجب وبه سقط التكليف عنه ، فعلى هذا لا خلاف في المعنى.
ووجه الدلالة : أنّه من الأشاعرة واعترف بعدم الخلاف بين مقالتهم لمقالة المعتزلة وإن اختلفتا في العبارة.
ومنها : ما في تهذيب العلاّمة من أنّه بعد ما اختار طريقة المعتزلة ذكر له مثالا بذكره الأشاعرة وإن شئت فلاحظ قوله : « والحقّ أنّ كلّ واحد منها واجب مخيّر فيه ، بمعنى أنّه لا يجب الجميع ولا يجوز الإخلال بالجميع وأيّما فعل كان واجبا بالأصالة ، لأنّه لا استبعاد في أن يقول السيّد لعبده : أوجبت عليك أحد هذين بحيث لا يحلّ لك تركهما ولا اوجبهما عليك فأيّهما شئت إفعل ».
ومنها : ما في كلام الحاجبي عند دفع اعتراض المعتزلة القائلة بوجوب الجميع على كون الواجب واحدا لا بعينه ، بلزوم أحد الأمرين من التخيير بين الواجب وغيره واجتماع التخيير والوجوب في شيء واحد ، لأنّ الواحد الّذي هو الواجب إمّا أن يكون هو الواحد المخيّر فيه فيلزم الثاني أو غيره فيلزم الأوّل ، من قوله : « والحقّ أنّ الّذي وجب لم يخيّر فيه