قال العلاّمة رحمه الله ونعم ما قال : الظاهر أنّه لا خلاف بين القولين في المعنى* (١) ، لأنّ المراد بوجوب الكلّ على البدل أنّه لا يجوز للمكلّف الإخلال بها أجمع ، ولا يلزمه الجمع بينها ، وله الخيار في تعيين أيّها شاء. والقائلون بوجوب واحد لا بعينه عنوا به هذا ، فلا خلاف معنويّ بينهم. نعم هاهنا مذهب تبرّأ كلّ واحد من المعتزلة والأشاعرة منه ونسبه كلّ منهم إلى صاحبه واتّفقا على فساده ،
__________________________________
وجوده يكون أولى بنسبة الإسقاط إليه على تقدير كونه هو محلّ الفرض ، فنسبته إلى الكلّي تقضي بكون الكلّي هو محلّ الفرض.
فممّا قرّرنا تبيّن أنّ كون الواجب هو الكلّي الصادق على الجزئيّات قول محقّق ذهب إليه جماعة من أصحابنا ، والواحد لا بعينه في كلام الآخرين المنسوب إلى الأشاعرة أيضا لا ينطبق عليه ، لرجوعه إلى كلّ واحد على البدل الّذي نبّه النراقي على مغايرته بالواحد لا بعينه الّذي اختاره ، ولا محصّل له في مقابلة كلّ واحد على البدل إلاّ كونه كلّيّا.
وأمّا ما تقدّم في كلام البهائي من تجويز كون الواجب تحصيل الكلّي كالكفّارة فيما يشاء من جزئيّاته فهو مغاير للجميع ، ولم يعهد نقله عن أحد إلاّ ما عرفت في كلام النراقي.
ويظهر من البهائي ارتضاؤه بهذا المعنى فهو مجوّز لكونه فيما بين خصال الكفّارة أحد الأبدال وكونه نفس الكفّارة ، ولكن في كونها كلّيا بالقياس إلى الخصال كلام قد تقدّم وجهه ، وأداة الترديد تومئ إلى عدم جزمه بأحد الأمرين وإنّما يجوّز كلاّ منهما.
* والمراد بعدم الخلاف بين القولين أنّه كما أنّ الأوّلين يقولون بتعلّق الوجوب بكلّ واحد بالخصوص مع إلغاء جهة التعيين ، فكذلك الأشاعرة أيضا يعترفون بذلك ويعتبرون في متعلّق الوجوب قيد « الخصوصيّة » وإنّما يعبّرون عنه بواحد لا بعينه تنبيها على عدم تعلّقه بالجميع ليكون ردّا على بعض المعتزلة ، ولا بواحد معيّن عند الله غير معيّن عند المكلّف ليكون ردّا على من يقول به ، أو أنّ غرضهم بذلك التنبيه على أنّ ما يستقرّ في ذمّة المكلّف واحد دائما ولا تعيين فيه من جهة التخيير ، وهذا كما ترى ممّا لا سبيل للأوّلين إلى إنكاره كما عرفت ، فالحاصل : أنّ الوجوب لابدّ له من متعلّق وهو إمّا كلّ واحد من الخصال بقيد الخصوصيّة ومع اعتبار التعيين ، أو كلّ واحد بقيد الخصوصيّة لا مع اعتبار التعيين ، أو المفهوم المشترك بينها المنتزع عنها لا بقيد الخصوصيّة ومع عدم التعيين ، والأوّل باطل