وجه الدلالة : أنّه علّق الحكم بكون كبيرهم فعل ذلك على نطقهم ، وقد استدلّ الإمام عليهالسلام على عدم الكذب بكون انتفاء التالي من جهة انتفاء المقدّم ، ولو لا ذلك مرادا من جهة المفهوم لما ارتفع الكذب ، كما أنّه لولا فهم الإمام عليهالسلام ذلك لما استقام الاستدلال ، فالحجّة إنّما هو فهمه لا مجرّد إرادة المتكلّم ، فلا يرد عليه : أنّ الاستعمال ممّا لا ينكره الخصم حتّى يستدلّ عليه بالرواية.
ومنها : ما أورده الصدوق في فضل هشام بن الحكم أنّه تناظر مع بعض المخالفين في الحكمين بصفّين ـ عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري ـ قال المخالف : إنّ الحكمين لقبولهما الحكم كانا مريدين للإصلاح بين الطائفتين ، فقال هشام : بل كانا غير مريدين للإصلاح بين الطائفتين ، فقال المخالف : من أين قلت هذا؟ قال هشام : من قول الله عزّ وجلّ في الحكمين حيث يقول : ( إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما )(١) فلمّا اختلفا ولم يكن بينهما اتّفاق على أمر واحد ولم يوفّق الله بينهما علمنا أنّهما لم يريدا الإصلاح (٢).
لا يقال : انّه يدلّ على ما لا كلام لأحد فيه من استلزام انتفاء التالي في الجملة الشرطيّة للعلم بانتفاء المقدّم ، على حدّ قوله تعالى : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا )(٣) فإنّ هشاما استدلّ بانتفاء التالي على انتفاء المقدّم ، والّذي كان يجدي نفعا في إثبات المطلب ما لو فرض أنّه استدلّ بانتفاء المقدّم على انتفاء التالي ، وهذا خلف.
لأنّ هشاما استدلّ في مورد خاصّ بانتفاء التالي على انتفاء المقدّم بعد ما فهم من الآية كون انتفاء المقدّم مستلزما لانتفاء [ التالي ] وقضيّته أن يستلزم انتفاء التالي للعلم بانتفاء المقدّم ، ولذا صحّ الاستدلال بانتفاء التالي على انتفاء المقدّم في المورد الخاصّ ، فتأمّل.
لإمكان أن يقال : إنّ صحّة الاستدلال بانتفاء التالي على انتفاء المقدّم لا تكشف عن فهم هشام من الآية استلزام انتفاء المقدّم لانتفاء التالي ، لجواز كون المقدّم أحد أسباب وجود التالي ، فانتفاؤه يدلّ على انتفاء جميع أسبابه فيدلّ على انتفاء السبب الخاصّ أيضا.
وأمّا حجج سائر الأقوال :
فاحتجّ بعض الأعاظم لما حكاه من القول بالتلازم في العدم دون الوجود بوجوه :
أوّلها : أنّ الشرط ليس علّة في وجود المشروط ولا مستلزما له فلو لم يستلزم العدم للعدم خرج عن كونه شرطا ، وإلاّ جاز أن يكون كلّ شيء شرطا لكلّ شيء.
__________________
(١) النساء : ٣٥.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٢٢.
(٣) الأنبياء : ٢٢.