فإنّ عمر ويعلى بن أميّة فهما من التعليق القصر بحالة الخوف انتفاءه حال عدمه ، ولذا تعجّبا من ثبوته حال الأمن ، وقد أقرّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمر على فهمه ولذا أجابه بأنّه صدقة من الله ، ولو لا صحّة فهمه كان عليه أن يجيب بمنع دلالة التعليق على الانتفاء عند الانتفاء.
أقول : وكأنّهما فهما المفهوم من التعليق في الشرطيّة الاولى ، بناء منهما على وقوع الشرط الثاني قيدا للشرط الأوّل كما هو الظاهر من هذا التركيب نوعا ، ونظيره ما لو قيل : « إن جاءك زيد فأكرمه إن كان ماشيا » فيكون « وجوب القصر » معلّقا على « الضرب في الأرض » مقيّدا « بالخوف » لا مطلقا.
وقضيّة التعليق انتفاء وجوب القصر تارة بانتفاء ذات الشرط واخرى بانتفاء قيده ، والمفروض عدم انتفائه بانتفاء القيد لثبوت القصر في السفر حالة الأمن أيضا ، وهذا ممّا يقضي بالتعجّب لوروده على خلاف مقتضى التعليق ، وجوابه صلىاللهعليهوآله ـ على ما حكاه عمر ـ يفيد عدم كون ذكر الشرط الثاني للتعليق ولا لتقييد الشرط الأوّل ، بل هو باعتبار الغالب في ذلك الوقت فلا تأثير له في التقييد ، ولعلّ النكتة في ذكره حينئذ أنّه لبيان علّة تشريع الحكم فلا يجب اطّراده لا لتقييد علّته ليجب اطّراده.
ومنها : ما عن العيّاشي في تفسيره عن الحسن بن زياد قال : سألته عن رجل طلّق إمرأته [ ثلاثا ] فتزوّجت بالمتعة أتحلّ لزوجها الأوّل؟ قال عليهالسلام : لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ، لأنّه تعالى يقول : ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ )(١) والمتعة ليس فيها طلاق (٢).
وقد فهم عليهالسلام من التعليق في شرطيّة الآية انتفاء حلّ الزوجة لزوجها الأوّل بانتفاء الطلاق من الزوج الثاني ، فإنّه أعمّ من أن لا يكون هناك زوج آخر أو كان ولكن بالمتعة لا بالدوام ، فإنّهما سيّان في انتفاء الطلاق المعلّق عليه الحكم.
ومنها : ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره والصدوق في معاني الأخبار عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ في قصّة إبراهيم عليهالسلام : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا )(٣) وما كذب إبراهيم عليهالسلام فقلت كيف ذلك قال : إنّما قال إبراهيم : ( فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ )(٤) فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا وما كذب عليهالسلام (٥).
__________________
(١) البقرة : ٢٣٠.
(٢) الوسائل ٢٢ : ١٢٦.
(٣) الأنبياء : ٦٣.
(٤) الأنبياء : ٦٣.
(٥) معاني الأخبار : ٢٠٩ ، تفسير القمّي ٢ : ٧٢ وهداية المسترشدين : ٢٨٢.