الجملة الثانية إنّما نشأ عن علمه بثبوت المفهوم في متفاهم العامّة حسبما يقتضيه اللفظ ، إذ لولا ظهوره فيه على الوجه المذكور لم يترتّب عليه على تقدير السكوت عدم بقاء أحد إلاّ تعجّل فلم يكن إخباره عليهالسلام في محلّه.
ومنها : ما رواه الكليني في الموثّق كالصحيح عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « لا ينبغي أن يتزوّج الرجل الحرّ المملوكة اليوم ، إنّما كان ذلك حيث قال الله عزّ وجلّ : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً )(١) (٢) و « الطول » المهر ومهرة الحرّة اليوم مثل مهرة الأمة أو أقلّ » (٣).
وجه الدلالة : أنّ الاستطاعة على نكاح الأمة يكشف عن الاستطاعة على نكاح الحرّة ، لصيرورة مهر الحرّة اليوم مثل مهر الأمة في المقدار أو أقلّ ، وهي نقيض للشرط المعلّق عليه إباحة نكاح الأمة ، وهذا هو انتفاء الشرط فيلزم منه انتفاء الإباحة المعلّقة عليه كما فهمه الإمام عليهالسلام حيث قال : « لا ينبغي أن يتزوّج الرجل الحرّ ... إلى آخره » ولا ضير في التعبير عن المنع باللفظ الظاهر في الكراهة لشيوعه وكثرة وروده في الإخبار بمعنى المنع والتحريم ، والإمام عليهالسلام من أفصح أهل اللسان وأعلمهم وقد فهم من التعليق الانتفاء عند الانتفاء وفهمه حجّة ، ولا يصادمه احتمال استناد فهمه عليهالسلام إلى قرينة خارجة من اللفظ إذ لا قرينة في الآية مع أنّ الأصل عدمها.
فبما بيّناه من كون المتمسّك به فهم الإمام عليهالسلام الّذي مرجعه إلى تبادر المفهوم من التعليق عند أهل اللسان سقط ما قد يناقش في الدلالة من أنّ غاية ما يكشف عنه الرواية وقوع استعمال الشرطيّة في الآية في إفادة المفهوم وهذا ممّا لا ينكره الخصم وإنّما ينكر الوضع والظهور ، لأنّا لا نعني من الفهم والتبادر عند أهل اللسان إلاّ الظهور الناشئ من الوضع.
ومنها : رواية يعلى بن اميّة في قوله لعمر : ما بالنا نقصر وقد امنّا وقد قال تعالى : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ )(٤)(٥) فقال عمر : فتعجّبت ممّا تعجّبت منه فسألته رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : « إنّما هي صدقة تصدّق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته » (٦)
__________________
(١) النساء : ٢٥.
(٢) تتمة الآية : ( أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) منه.
(٣) الكافي ٥ : ٣٦٠ ، ح ٧ ، والوسائل ٢٠ : ٥٠٢.
(٤) النساء : ١٠١.
(٥) تمام الآية ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) سورة النساء : الآية ١٠١.
(٦) عوالي اللآلي ٢ : ٦١.