ويدفعه : وروده بالنسبة إلى كلّ من القسمين على خلاف التحقيق.
أمّا بالنسبة إلى ما يتوقّف عليه صحّة الكلام لغة ، فلمّا قرّرناه سابقا من أنّ المنطوق والمفهوم وصفان للمداليل المركّبة أعني معاني المركّبات التامّة ، وظاهر أنّ الكلام بمعنى المركّب التامّ لا يتمّ إلاّ بتحقّق الإسناد والمسند والمسند إليه ، فكما لا يتمّ بالمسند فقط فكذلك لا يتمّ بالمسند إليه فقط ، فتوقّف صحّة الكلام لغة في المثال المتقدّم على تقدير « راضون » إنّما هو لأنّ الكلام لغة لا يتمّ بذكر المسند إليه وحده ، لأنّ الإسناد لا ينعقد به بانفراده ، بل لا بدّ معه من اعتبار ما يكون مسندا ملفوظا أو مقدّرا ، فالإسناد المستفاد من الكلام بعد تقدير المسند نفس ما وضع له هذا المركّب فيكون منطوقا صريحا ، لا أنّه ما يلزم منه ليكون غير صريح ، إذ ليس فيه وراء هذا الإسناد اسناد آخر ليكون هذا لازما منه.
وأمّا الثاني فلإمكان القول بدخول ما يتوقّف عليه صحّته بحسب العرف والعادة كقوله : « رأيت أسدا في الحمّام » في عنوان ما يتوقّف عليه صدقه إن كان خبرا ، أو صحّته عقلا إن كان إنشاء ، فإنّ قوله : « رأيت أسدا » مريدا به المفترس كما أنّه قد يكون كذبا حيث لم يصدر منه رؤية أصلا فكذلك يكون كذبا حيث كان مرئيّه الرجل الشجاع لا المفترس ، فيتوقّف صدق هذا الكلام على إرادة الرجل وقوله : « في الحمّام » في المثال الّذي ذكره الفاضل ، وعلى هذا القياس قوله تعالى : ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )(١) وغيره ممّا يكون قرينته عقليّة ، وقوله : « جرى النهر » ونحوه ممّا يكون قرينته لفظيّة ، فإنّ الجميع ممّا يتوقّف صدق الكلام على إرادة المعنى المجازيّ من اللفظ المفرد الّذي هو من أجزاء المركّب ، حتّى أنّ المثال المعروف المذكور في كلامهم لذلك العنوان من هذا الباب ، فإنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « رفع عن امّتي تسعة » إنّما يكون صدقا إذا اريد منه رفع مؤاخذة التسعة مثلا على طريقة المجاز في الإعراب بإضمار المؤاخذة أو المجاز في الكلمة.
ومن هذا الباب أيضا قوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )(٢) وغيره من الأخبار المؤوّلة بالإنشاء ، لأنّه لولاه لزم الكذب في كلام الحكيم وهو قبيح عقلا ، ويمكن اندراجه فيما يتوقّف عليه صحّته عقلا ، هذا.
ولكنّ الّذي يقتضيه الإنصاف ومجانبة الاعتساف هو أن يقال : بعدم بناء المنطوق الغير الصريح في شيء من أنواعه عندهم على التجوّز في المفرد الّذي يقال له : المجاز في
__________________
(١) الفتح : ١٠.
(٢) الواقعة : ٧٩.