فإنّ شيئا ممّا ذكر ليس مقصودا بالإفادة من الخطاب أصالة ، بل المقصود بالأصالة شيء آخر يستلزمه تبعا.
وعلى الأوّل فإن كان ممّا يتوقّف عليه صدق الكلام كقوله صلىاللهعليهوآله : « رفع عن امّتي تسعة » في الدلالة على رفع المؤاخذة ، أو صحّته عقلا كقوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ )(١) في الدلالة على سؤال أهل القرية ، أو صحّته شرعا كقوله : « أعتق عبدك عنّي بألف » في الدلالة على استدعاء التمليك فدلالة اقتضاء ، وإلاّ فلو اقترن الخطاب بما لو لم يكن علّة له لبعد الاقتران فدلالة تنبيه وإيماء ، كدلالة قوله عليهالسلام : « كفّر » المقترن بقول السائل : « واقعت أهلي في نهار رمضان » على علّية الوقاع لوجوب الكفّارة ، وكقوله عليهالسلام : « فلا إذن » بعد ما سئل عن جواز بيع الرطب بالتمر المقترن بقوله : « نعم » في جواب قوله عليهالسلام : « أينقص إذا جفّ؟ » على علّية النقصان لعدم الجواز.
لا يقال : قضيّة ما تقدّم في المقام السابق من كون دلالة التضمّن تبعيّة ، مع ما ذكرت هنا من تبعيّة دلالة الإشارة أيضا وعدم كون شيء منهما مقصودا من الخطاب أصالة ، كون التضمّن من دلالة الإشارة أو كون المدلول عليه بالإشارة من المنطوق الصريح ، فبطل بذلك أحد الأمرين من جعل المدلول التضمّني من المنطوق الصريح أو جعل المدلول عليه بالإشارة من غير الصريح.
لأنّا نقول : إنّ الصراحة وعدمها على ما يستفاد من طريقتهم ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ ليسا منوطين بأصالة القصد وعدمها ولا التبعيّة وعدمها بل بكون اللفظ مستقلاّ في الإفادة ـ كما في المنطوق الصريح ومنه المدلول التضمّني كما عرفت سابقا ـ وعدمه ، كما في غير الصريح لافتقار الخطاب في إفادته إلى توسيط أمر آخر وانضمامه إليه من مقدّمة عقليّة أو شرعيّة كما في الأنواع المذكورة.
أمّا ما يفتقر إلى انضمام المقدّمة العقليّة فكدلالة الإشارة ، والقسم الأوّل والثاني من دلالة الاقتضاء.
وأمّا ما يفتقر إلى المقدّمة الشرعيّة فكالقسم الأخير من دلالة الاقتضاء فإنّ عبارة : « أعتق عبدك عنّي بألف » من حيث إنّها إيجاب لعقد الوكالة في العتق يتوقّف صحّته ـ أي ترتّب الأثر عليه ـ على استدعاء تمليك العبد ، فإنّ صحّة الوكالة فرع على صحّة الموكّل
__________________
(١) يوسف : ٨٢.