كما ظهر بما بيّنّاه في تفسير الموضوع أنّه لا وقع لما أورد على الحدّين بالقياس إلى قولنا : « إن جاءك زيد فأكرمه » وغيره من القضايا الشرطيّة من حيث إنّ ما له المدلول في كلّ من الحكم المنطوقي والحكم المفهومي وهو زيد مذكور في الكلام ، فيختلّ عكس حدّ المفهوم وطرد حدّ المنطوق ، فإنّه يندفع : بأنّ الموضوع بالمعنى المذكور في القضيّة المنطوقيّة هو « المجيء » لأنّه الّذي تعلّق بالحكم باعتبار أنّه علّق عليه الحكم ، فيكون الحكم المفهومي معلّقا على « عدم المجيء » وهو غير مذكور في الكلام ، فلا حاجة في دفع الإشكال إلى تكلّف أن يقال : إنّ موضوع المنطوق « زيد الجائي » وهو ليس بموضوع المفهوم.
وقد أورد على الحدّين بناء على التوجيه بامور اخر ذكرها بعض الفضلاء :
منها : إنّهما منقوضان بمفهوم الحصر بـ « إنّما » في صورة قصر الموصوف على الصفة ، كقولنا : « إنّما زيد شاعر » فإنّ ما له المدلول « زيد » وهو مذكور في الكلام ، وقد توارد عليه الحكمان : الإيجابي والسلبي ، أعني الشاعريّة له ونفي الصفات الاخر عنه.
وفيه : منع كون ما له المدلول في هذا التركيب هو « زيد » بل هو « شاعر » فيفيد إثبات الزيديّة للشاعر أعني الذات المتّصفة بالشاعريّة ، ونفيها عن الصفات الاخر كالكاتب والقارئ ونحوهما كما هو مفاد قصر الموصوف على الصفة ، فالحكم المنطوقي ثابت للشاعر والمفهومي للصفات الاخر وهي غير مذكورة في الكلام.
والوجه فيما ذكرناه ما قرّر في محلّه من أنّ المحصور فيه في الحصر بـ « إنّما » هو ما ذكر أخيرا وهو الصفة في تركيب قصر الموصوف على الصفة ، ومعنى كون ما ذكر أخيرا محصورا فيه إفادة التركيب إثبات ما ذكر أوّلا له وهو المنطوق ونفيه عمّا عداه وهو المفهوم.
ومبنى الإيراد على الخلط بين صورتي قصر الصفة على الموصوف وقصر الموصوف على الصفة بإجراء معنى الصورة الاولى في الثانية ، وما بيّناه أولى ممّا قد يتكلّف في دفع الإشكال باعتبار الاتّصاف في القضيّة المنطوقيّة وعدم الاتّصاف في القضيّة المفهوميّة ، فيرجع منطوق قولك : « إنّما زيد شاعر » إلى : أنّ زيدا متّصف بالشاعريّة ، ومفهومه إلى : أنّ زيدا غير متّصف بغير الشاعريّة.
ومنها : أنّهما منقوضان بدلالة الآيتين على أقلّ الحمل ، لأنّ الموضوع فيه مدلول الأقلّ دون الحمل وهو غير مذكور.
وفيه : منع كون الموضوع مدلول الأقلّ ، فإنّه مع ستّة أشهر من الحكم والموضوع هو