وعبارته الاخرى ما ذكره بعض الأعلام من أنّه : مدلول يكون حكما أو حالا لشيء مذكور ، سواء كان نفس ذلك المدلول مذكورا أو لا.
وهو المستفاد من كلام العضدي وغيره وأخصر عبارات تعريف المفهوم : « ما افيد لغير مذكور » والمنطوق بخلافه فهو الأولى ، والمراد من ثبوت الحكم في الموضوع بالمعنى المذكور تعلّقه به حسبما اعتبره المتكلّم حيث ربطه به وعلّقه عليه وقيّده به ، لا خصوص عروضه له كما هو المعتبر في الموضوع المنطقي.
فبما شرحناه ظهر أنّ ما تقدّم تعريف تامّ لا مسامحة فيه ولا قصور ، فلا حاجة في إصلاحه إلى تكلّف وارتكاب خلاف ظاهر من استخدام ونحوه كما زعمه بعض الأعلام ، حيث اختلط عليه الأمر فقال : « إنّ في الحدّ تسامحا ، لأنّ معيار الفرق بينهما كون ما له المدلول وهو موضوع الحكم مذكورا وعدمه ، مع كون المقصود من المدلول هو الحكم أو الوصف ، فلا يتمّ جعل قوله : « في محلّ النطق » حالا عن الموصول إلاّ بارتكاب نوع من الاستخدام ، ولو جعل الموصول كناية عن الموضوع يلزم خروجه عن المصطلح وارتكاب نوع استخدام في الضمير المجرور » انتهى.
وكأنّ مبناه على زعم كون « محلّ النطق » محمولا على إرادة اللفظ ، فيكون المعنى : ما دلّ عليه اللفظ حال كونه في اللفظ ، وكونه ثابتا في اللفظ كناية عن كونه مذكورا فيه.
وأنت خبير بأنّه في غاية البعد ، والتعبير عمّا له المدلول في مطاوي كلماتهم بالمنطوق أو الملفوظ به أقوى شاهد بأنّ المراد به نفس الموضوع ، ويتأكّد ذلك بنصّ من عرفت.
وبهذا كلّه ظهر أنّ ما في كلام بعض الأواخر عند الكلام في الحدّين من إكثار الاحتمالات ـ بأنّ الموصول إمّا كناية عن الحكم أو عن موضوعه ، وعلى التقديرين فالضميران إمّا يعودان إلى الحكم أو إلى موضوعه ، أو الأوّل يعود إلى الحكم والثاني إلى موضوعه ، أو بالعكس احتمالات ترتقي إلى ثمانية ، وأقلّها محذورا كون الموصول عبارة عن الحكم وعود الضمير المجرور إلى الحكم وضمير الحال إلى الموضوع وفيه نوع استخدام ـ ليس بسديد ، فإنّ مبناه على ما سمعت عن بعض الأعلام وقد عرفت فساده.
وحينئذ نقول : إنّ الموصول لا يتحمّل إلاّ كونه عبارة عن الحكم ، والضميران لا يتحمّلان إلاّ العود إلى الموصول بمعنى الحكم ، ومدخول الظرفيّة لا يتحمّل إلاّ كونه عبارة عمّا له المدلول وهو الموضوع فلا استخدام.