يستلزمانها ، فكذلك المنطوق لا يستلزم المفهوم وهو يستلزمه ، ومادّة التخلّف المعاني المفردة مطلقا كما يعطيه صريح بعض عباراتهم ، أو بعض منها كما يعطيه صريح البعض الآخر.
فمن الأوّل : ما ذكره في بيان المختصر في شرح أمثلة الأقسام الثلاث المذكورة لدلالة الاقتضاء المعدودة عندهم من المنطوق الغير الصريح ، فقال : « مثال ما توقّف صدق المتكلّم عليه قوله : « رفع عن امّتي الخطأ والنسيان ... » فإنّ ما هو لازم للمعنى الموضوع له لفظ « الخطأ » وهو حكم الخطأ مقصود منه وتوقّف صدقه عليه ، ومثال ما توقّف عليه الصحّة العقليّة قوله : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ )(١) فإنّ ما هو لازم للمعنى الموضوع له لفظ « القرية » وهو الأهل مقصود منه وتوقّف الصحّة العقليّة عليه ، لأنّ السؤال عن القرية غير صحيح عقلا ، ومثال ما توقّف عليه الصحّة الشرعيّة ، قولك للغير : « أعتق عبدك عنّي على ألف » فإنّه يستدعي التمليك ، لتوقّف العتق عليه شرعا.
فالتمليك لازم للمعنى الّذي وضع له لفظ « أعتق عنّي » وهو مقصود وتوقّف عليه الصحّة الشرعيّة ».
ووجه صراحة ذلك : أنّه بعد ما فسّر قبل هذه العبارة المنطوق الصريح : « بما وضع له اللفظ » والغير الصريح : « بما يلزم عمّا وضع له اللفظ » جرى في الأمثلة المذكورة على التفسير المذكور ، وجعل كلاّ من اللازم والملزوم من المعاني المفردة ولا ينافيه قوله في ذيل العبارة المذكورة : لازم للمعنى الّذي وضع له لفظ « أعتق عنّي » لوضوح كون مراده وضع لفظ « أعتق » باعتبار المادّة أعني العتق.
وحاصل مراده : كون الملك ممّا يتوقّف عليه صحّة العتق شرعا ينهض قرينة على أنّ المراد من قوله : « أعتق عبدك عنّي على ألف » استدعاء تمليك عبده منه على ألف أوّلا ثمّ اعتاقه عنه ، فالملزوم وهو العتق مراد من لفظ : « أعتق » باعتبار مادّته ، ولازمه وهو التمليك مدلول عليه بدلالة الالتزام الحاصلة بملاحظة توقّف الصحّة الشرعيّة للعتق على الملك.
ومن الثاني : عبارة شارح المنهاج في تقسيم الخطاب إلى ما دلّ بمنطوقه وما دلّ بمفهومه فقال :
« فإن دلّ بمنطوقه فيحمل على الحقيقة الشرعيّة أوّلا إذ التخاطب فيه ، فإن لم يمكن حمله على الحقيقة الشرعيّة يحمل على العرفيّة ، إذ هي أقرب إلى الفهم وأسبق إلى الذهن ،
__________________
(١) يوسف : ٨٢.