فإن لم يمكن حمله على الحقيقة العرفيّة يحمل على اللغويّة ، وإن لم يمكن حمله على اللغويّة يحمل على المجاز الشرعي ثمّ اللغوي ثمّ العرفي.
وإن دلّ الخطاب على الحكم بمفهومه ، فذلك المفهوم اللازم لا يخلو من أن يكون لازما عن مفرد أو مركّب.
واللازم عن المفرد إمّا أن يتوقّف عليه المفرد عقلا كقولك : « إرم » فإنّه يلزم منه تحصيل المرمي والقوس ، والرمي يتوقّف عليهما عقلا.
وإمّا أن يتوقّف عليه المفرد شرعا كقولك : « أعتق عبدك عنّي » ، فإنّه يلزمه تمليك العبد أوّلا ثمّ اعتاقه عنه ، فالإعتاق يتوقّف على التمليك شرعا والتمليك لازم فيه ، وهذا القسم وهو اللازم من المفرد يسمّى اقتضاء ، أي الخطاب يقتضيه.
واللازم عن المركّب لا يخلو : من أن يكون موافقا لمدلول المنطوق في الإيجاب والسلب ، أو لا يكون موافقا » إلى آخر ما ذكره.
وعلى هذا فيوجّه الكلمات المتقدمّة المفيدة لثبوت الواسطة ، بأنّ النظر في اعتبار الحكم وموضوعه فيهما وفي التعريف المفيد لذلك أيضا إنّما هو إلى محلّ اجتماعهما ، فلا يكونان إلاّ من قبيل الحكم الّذي هو معنى تركيبي ، وعليه مبنى تقسيمهم للمفهوم وهو محلّ نزاعهم في حجّيّته ، وطن كان يستفاد من كلام شارح المنهاج انفكاك المفهوم من المنطوق أيضا ، كما في اللازم عن المفرد الّذي يتوقّف عليه المفرد عقلا أو شرعا وقد سمّاه بـ « مفهوم الاقتضاء ».
وعلى هذا فالمفهوم ليس تابعا للمنطوق كما أنّ المنطوق لا يتبع المفهوم.
فصار المحصّل : أنّه لا يخرج عنهما شيء من المداليل اللفظيّة المرتبطة بمقام الإفادة والاستفادة.
نعم إنّما يخرج عنهما المداليل العقليّة الصرفة الغير المرتبطة بمقام الإفادة والاستفادة وإن استندت بنوع من الاعتبار إلى الألفاظ ، كما في دلالة اللفظ على وجود اللافظ ، وكونه إنسانا وذا لسان ونحوه من لوازم التلفّظ الثابتة مع الألفاظ لمجرّد حكم العقل ، ولا يلزم من خروجها تحقّق الواسطة بينهما كما قد يسبق إلى الوهم ، لكون العبرة في انقسام المدلول إليهما بما يناط به مقام الإفادة والاستفادة ، كما يرشد إليه التأمّل في تضاعيف كلماتهم.
هذا ولكنّ الّذي يعطيه الإنصاف ويقتضيه مجانبة الاعتساف ، هو الإذعان بكونهما اصطلاحين في مداليل المركّبات وعدم جريانهما في مداليل المفردات ، فاللفظ في حدّيهما