والحاصل أنّ الأجزاء الباقية بعد تعذّر بعض أجزاء المأمور به لا تندرج في الأمر بالكلّ لتكون واجبة بعد تعذّر الكلّ بنفس ذلك الأمر ، بل وجوبها إن كان ولا بدّ منه إنّما يستفاد من أمر آخر ، كما أنّ وجوب القضاء لا بدّ وأن يستفاد من أمر آخر غير الأمر الأوّل من غير فرق في ذلك بين العرفيّات والشرعيّات ، وإنّما الشأن في بيان أنّه هل تجب الأجزاء الباقية بدليل آخر أو لا ، فالظاهر أنّ فيه خلافا أشار إليه بعض الأعاظم بقوله : « فاختلفوا في بقاء التكليف وعدمه على أقوال ثالثها الفرق بين المركّب العقلي والخارجي ، إلاّ أنّ الظاهر اتّفاقهم على عدم دلالة الأمر عليه ، وإنّما الاختلاف نشأ من جهة الخارج ».
ولا يخفى عليك أنّ فائدة هذا البحث إنّما تظهر فيما لم يثبت له أو لجزئه المتعذّر بدل في الشريعة بالخصوص ، كما في الأجزاء الاضطراريّة القائمة مقام الفرد الاختياري من المأمور به عند تعذّره ، وليس الإشكال بالنسبة إلى محلّ الفائدة في إمكان الوجوب بالدليل المتجدّد ، فإنّه ممّا لا يستريب فيه ذو مسكة ، بل الإشكال في فعليّة الوجوب الثابت بورود الدليل الخارج على أدلّة وجوب الكلّ من باب الحكومة ، فإنّ من الأعاظم من اختار الوجوب في المركّبات الخارجيّة خاصّة مستدلاّ بالروايات واصفا لها بالاعتبار كقوله عليهالسلام : « وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » و « الميسور لا يسقط بالمعسور » و « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » وحكى الاستدلال عليه أيضا بالاستصحاب والاستقراء ، ولا يخفى ما فيهما ، فإنّ الاستصحاب مع عدم بقاء موضوعه كما هو مفروض المقام ممّا لا معنى له ، والعلّيّة غير ثابتة وعلى فرضها غير ثابت الاعتبار.
والعمدة النظر في الروايات ، فإنّ لهم فيها سندا ودلالة كلاما فلذا حكي في دليل القول بعدم البقاء مطلقا تضعيفها في كلا الاعتبارين ، غير أنّ بعض الأعاظم دفعه باستظهار انجبارها بعمل الفحول حاكيا عن بعضهم أنّ الفقهاء يذكرونها في كتبهم الاستدلاليّة على وجه القبول وعدم الطعن في السند أصلا ونقلت في العوالي عنهم عليهمالسلام ومشهورة في ألسن جميع المسلمين يذكرونها ويتمسّكون بها في محاوراتهم ومعاملاتهم من غير نكير ، والخطب في ذلك أيضا سهل والمهمّ تحقيق الدلالة فيها ، فإنّها في بعضها ممّا لا يخلو عن إشكال وإن أخذها بعض الأعاظم أخذ المسلّمات ، ووجه الإشكال أنّ الرواية الاولى محتملة لوجوه كثيرة يختلف مفادها في متفاهم العرف بحسب اختلاف تلك الوجوه ، فإنّ لفظة « من » في قوله عليهالسلام : « منه » محتملة لكونها بمعنى « الباء » على حدّ قوله تعالى :