قلنا : القيد ليس ممّا يؤمر به ليندرج في المعسور الّذي هو في الرواية عبارة عمّا عسر من المأمور به ، بل المأمور به هو المقيّد بوصف أنّه مقيّد وقد صار معسورا بفوات قيده ، والمطلق بوصف أنّه مطلق وإن كان ميسورا غير أنّه ليس جزءا من المأمور به ، ومعنى كون المطلق جزءا من المقيّد اشتمال المقيّد على حصّة منه ، فالميسور ليس من المأمور به في شيء والمأمور به معسور ، فالمقام ليس من مورد هذه الرواية.
وعن الثالثة : بمنع تناولها لما عدا المركّب الخارجي الّذي يمتاز أجزاؤه بعضها عن بعض في نظر العرف ولو في لحاظ الفرض والاعتبار ، كالأجزاء الكسريّة الّتي تعرض في الجسم ، ولا ريب أنّ لفظ « الكلّ » المتكرّرة في الرواية من المفاهيم العرفيّة الّتي لا تصدق إلاّ على ما له تركّب خارجي وإطلاق « الكلّ » و « الجزء » على المقيّد والمطلق اصطلاح محدث فلا عبرة به ، نظرا إلى أنّ الخطابات الشرعيّة تنزّل على المفاهيم العرفيّة دون الامور الاصطلاحيّة والمقيّد ممّا لا يصدق عليه « الكلّ » عند العرف.
ألا ترى أنّه لا يصحّ أن يقال : « شربت الماء البارد كلّه » عند إرادة المقيّد مركّبا من المطلق وتقيّده بالبرودة ، ولا أن يقال : « صمت يوم الخميس كلّه » في موضع إفادة حصول ذلك المقيّد ، بل ولو قيل ذلك لا تصرف إلاّ إلى شرب تمام الماء وصوم تمام اليوم ، ولا يفهم منه العموم بالقياس إلى جزئهما العقليّين فيكون مورد الرواية حينئذ غير محلّ البحث على ما ستعرفه.
وعن الغلبة الاولى : بأنّ الأمر الأوّل إذا كان بحسب العبارة قاصرا عن تناول ما بعد الوقت فكيف يقال بأنّ الأصل عدم ما عداه ، فإنّ القطع بوجوب القضاء في الغالب مع ملاحظة قصور عبارة الأمر الأوّل قاطع لذلك الأصل ، وموجب لكون وجوب القضاء ثابتا بما عداه وإلاّ لزم خلاف الفرض ، مع أنّه لا اشكال لأحد في ثبوت الأمر المتجدّد بالقضاء ولو بنحو العموم في مثله قوله عليهالسلام : « اقض ما فاتتك كما فاتتك » فلو فرض مع ذلك وجوب القضاء مستفادا من الأمر الأوّل لزم حمل ذلك الأمر المتجدّد على التأكيد وهو خلاف الأصل ، لأنّ التأسيس أولى من التأكيد.
وعن الغلبة الثانية : بكونها أجنبيّة عن محلّ البحث ، فإنّها إنّما تجدي إذا ثبت وجوب القضاء في مورد الغالب بنفس الأمر الأوّل وهو أوّل الكلام ، إذ لم يثبت إلى الآن من وجوب القضاء ما يستندها إلى الأمر الأوّل ، مع أنّ تحقّق مورد الشكّ المحتاج إلى إلحاقه بمورد الغالب ممّا يشهد بعدم قضاء الأمر الأوّل بوجوب القضاء ، وإلاّ كان مغنيا عن النظر في وسط آخر.