الطريقيّة إلاّ فيما دلّ على خلافه دليل خاصّ ، كما في أحكام لباس المصلّي ومكانه من حيث الطهارة والنجاسة والاباحة وغيرها ، فالمكلّف بالصلاة مع الطهارة مخاطب بها مع الطهارة الواقعيّة على ما هو مفاد ظاهر الخطاب ، ولمّا كان الاشتغال اليقيني ممّا يستدعي اليقين بالبراءة وهو ما لا يحصل إلاّ مع إحراز الطهارة الواقعية بطريق اليقين فالعقل يلزمه من باب الهداية والارشاد على تحصيل اليقين بها ، فهذا اليقين ما يثبت اعتباره بحكم العقل طريقا إلى الواقع ومرآتا على إحراز المكلّف به الواقعي ، من غير أن يكون له مدخليّة في الموضوع ، ولكنّ الشرع لكمال رأفته على المكلّف أضاف إليه طريقا آخر وهو الاستصحاب الّذي يرجع مفاده إلى الأخذ بمقتضى الحالة السابقة في ترتيب الأحكام وعدم الاعتناء باحتمال خلافها ، ونزّله في ترتيب تلك الأحكام منزلة اليقين قائما مقامه في كونه طريقا إلى إحراز الواقع ، وحكم بأنّه أيضا ممّا يحرز به الواقع تعبّدا منّي ، كما أنّ اليقين ممّا يحرز به الواقع تعبّدا من العقل ، فإذا اعتمد المكلّف على كلّ منهما في موضع جريانه يحصل له العلم بالبراءة ، غير أنّه في أحدهما علم حقيقي وفي الآخر علم شرعيّ ، فوجوب الأخذ به في إحراز الطهارة وغيرها ممّا يقع العلم الحقيقي طريقا إليه حكم ظاهري ثبت التعبّد به من الشرع ، وظاهر أنّه لا ملازمة بينه وبين الحكم الواقعي المعبّر عنه بـ « القضيّة الشأنيّة » الثابتة في متن الواقع المتوجّهة إلى المكلّف حيثما جامع شرائط التكليف ، بل هو معه حكمان قد يتوافقان وقد يتخالفان ، وحيثما حصل الموافقة بينهما خرج المقام عن موضوع الكلام ، للجزم بتعلّق الحكم الواقعي به فعلا من جهة وجود مقتضيه وفقد مانعه كتعلّق الحكم الظاهري به ، والمفروض أنّه خرج عن عهدته بطريق شرعي تعبّده الشارع على العمل به في إحراز الواقع ، فقد عمل بمقتضى كلّ من الحكمين ومعه ليس عليه شيء في الوقت ولا في خارجه ، لعين ما تقدّم من أدلّة الإجزاء ، كما أنّه لو حصل المخالفة بينهما بعدم مصادفة الاستصحاب للواقع مع عدم تبيّن ذلك للمكلّف خرج عن موضوع الكلام ، وليس عليه شيء بالنظر إلى الواقع مطلقا لا من جهة أنّه قد أحرزه وخرج عن عهدته ليكون على خلاف الفرض ، بل لكون السالبة في حقّه حينئذ منتفية الموضوع ، فإنّه من جهة تعبّده شرعا على العمل بطريقه المجعول وعدم علمه بالمخالفة بمنزلة الغافل.
ومن البيّن قبح تكليف الغافل ، فليس عليه بالنظر إلى الواقع تكليف ليستدعى منه الخروج عن العهدة ، والّذي ثبت عليه من التكليف الظاهري الناشئ عن هذا التعبّد قد خرج