إيجاب تأخيرها إلى آخر الوقت ـ كما هو أحد الوجوه المحتملة في تعليل ثاني الشهيدين بمخاطبتهم بالصلاة من أوّل الوقت بإطلاق الأمر فتكون مجزية للامتثال ـ وهو كما ترى في غاية الإشكال لتطرّق المنع إلى دعوى ذلك الاطلاق في تلك الأدلّة ، لوضوح أنّ مفادها عند العرف حسبما يشهد به السياق قضيّة وردت لتشريع حكم البدليّة في الجملة ، وبيان أنّ هذه الأبدال ما يجوز الاكتفاء بها عمّا هو مأمور به في الواقع من دون نظر فيها إلى تعميم الحكم بالقياس إلى من لحقه زوال العذر فيما بعد أوّل الوقت ، ليكون ذلك قاضيا بخروج المفروض عن عموم دليل الأصل ، وظاهر أنّ هذه القضيّة يكفي في صدقها ثبوتها على سبيل الجزم واليقين بالنسبة إلى من استمرّ عذره إلى آخر الوقت ، فيبقى الباقي تحت عموم دليل الأصل.
فبجميع ما قرّرناه تبيّن أنّ ما في كلام ثاني الشهيدين وغيره من التعليل المذكور عليل ، لوروده على خلاف التحقيق.
فإنّه لو أراد بما ذكره من إطلاق الأمر إطلاقه بالنسبة إلى المأمور به الواقعي فهو ممّا ينبغي القطع بفساده ، لأنّ الأخذ بإطلاق الأمر على هذا المعنى حمل لخطاب الشرع على اعتبار التكليف بغير المقدور ، لعدم القدرة على المأمور به الواقعي ما دام العذر ، وهو باطل بضرورة العقل.
ولو أراد إطلاقه بالنسبة إلى بدله الّذي أثبته الشرع ، ففيه : أنّه ظاهر في المأمور به الواقعي ولا يتناول غيره ، وتعيّن العدول عنه إلى بدله إنّما يعرف بدليل آخر لا بمجرّد ذلك الأمر ، فلذا أشرنا سابقا إلى أنّ المكلّف لو طرئه العذر الرافع للتكليف لا يقضي فيه العقل إلاّ بخروجه عن عموم الخطاب من غير أن يستقلّ باثبات بدل له.
ولو أراد إطلاق الأمر بالبدل فقد تبيّن منعه ، ولو سلّم فيقع التعارض بينه وبين دليل الأصل وبينهما عموم من وجه ، لتناول دليل الأصل كلاّ ممّن تمكّن عنه في تمام الوقت ومن تمكّن عنه في بعضه بداية أو أثناء أو نهاية ، وشمول دليل البدل كلاّ ممّن له العذر في تمام الوقت ومن له العذر في بعض أجزائه.
ولا ريب أنّ التصرّف في الثاني أولى ، لاستناد دلالة الأوّل على العموم إلى الوضع فيكون أقوى من دلالته على الاطلاق من جهة استناده إلى حكم العقل الناشئ عن السكوت في معرض البيان.