كلّ من جهات الاختيار والاضطرار ، كيف والفرد الاضطراري بدل اضطراري للاختياري فلا يعدل إليه إلاّ مع عدم التمكّن عن الاختياري ، لكون الأمر الوارد به على فرضه واردا على هذا الوجه قاضيا باعتبار الترتيب بينه وبين الأصل معلّقا على عدم التمكّن عنه ، ومفروض المقام خلافه ، لكفاية التمكّن عن الاختياري في الجملة ولو في بعض آنات وقته في صحّة التكليف به وإلزام المكلّف عليه عقلا ، وهو حاصل ولو في الجزء الأخير منه.
وقضيّة ذلك وجوب تأخير الفعل إلى آخر الوقت على اولي الأعذار كما عليه المرتضى وابن الجنيد وسلاّر على ما في المحكيّ عنهم ، ولعلّه إلى ذلك ينظر الأخبار الواردة في المتيمّم الآمرة بتأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، بل عليه نقل الإجماع كما عن المرتضى.
هذا كلّه على حسب قواعد العقل ، فلو فرض حينئذ أنّ المأمور به الواقعي ما لا بدل له في الشريعة ليقوم مقامه عند تعذّره ـ كالصلاة لفاقدي الطهورين ـ تعيّن الإتيان به عند زوال العذر ولو اتّفق في الجزء الأخير من الوقت ، لوجود المقتضي وهو عموم الجمع في قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) ونحوه ، وارتفاع المانع الّذي لولاه لا نكشف عدم توجّه الخطاب رأسا.
ولو فرض ورود بدل له كالصلاة بالتيمّم عند تعذّر المائيّة ، والصلاة بثوب نجس عند تعذّر غيره وتعذّر تطهيره ، والصلاة عريانا عند تعذّر الساتر وما أشبه ذلك ، فلا بدّ حينئذ من ملاحظة دليل ذلك البدل فإن لم يثبت فيه إطلاق أو عموم قاض بتساوي العذر المنقطع مع العذر المستمرّ في الحكم بثبوت البدليّة كان دليل الأصل حينئذ سليما عن المعارض كالصورة الاولى فيتعيّن الأخذ به جزما.
وقضيّة ذلك عدم التخيير بينه وبين بدله ، وإن ثبت فيه إطلاق أو عموم على الوجه المذكور يقع التعارض بينه وبين دليل الأصل ، فلا بدّ من مراجعة قواعد الترجيح حينئذ فيحكم بصحّة توهّم التخيير على فرض تحكيم دليل البدل على دليل الأصل.
وأمّا المقام الثاني : فقد يتوهّم فيه الإطلاق في الأدلّة الواردة لاعطاء حكم البدليّة كقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا )(٢) وغيره ممّا ورد فيه وفي سائر الأبدال من الأخبار إطلاقا قاضيا بجواز الاكتفاء بالبدل عند طروّ العذر عن الأصل ، سواء وقع أوّل الوقت أو وسطه أو آخره ، وكأنّه من هنا نشأ ما عليه الشيخ والشهيدين وغيرهما من تجويز الإتيان بالصلاة أوّل الوقت لذوي الأعذار ، على خلاف ما عرفت عن السيّد وابن الجنيد وسلاّر من
__________________
(١) المزمّل : ٢٠.
(٢) النساء : ٤٣.