فالقول بوجوب التأخير إلى آخر الوقت على ذوي الأعذار متّجه جزما ، ولا يمكن دفعه ما لم يرد على خلافه نصّ بالخصوص.
ولا يذهب عليك أنّ المراد بالوجوب هنا ليس الوجوب التعبّدي ، بل الوجوب التوصّلي المقدّمي الّذي يحكم به العقل إلزاما للمكلّف على تحصيل اليقين بالامتثال في موضع اليقين بالاشتغال ، فيكون التأخير حينئذ مقدّمة علميّة فتجب حيث يجب العلم كما في المقام ، من غير فرق في ذلك [ بين علمه ](١) بزوال العذر مع التأخير وبين رجائه ، فإنّ اليقين بالبراءة في كلّ منهما موقوف على التأخير وإن كان بينهما يحصل الفرق من جهات اخر ، مثل أنّ الأوّل قاطع بعدم البراءة مع عدم التأخير والثاني شاكّ فيه ، والأوّل فاعل للمحرّم حينئذ بالنظر إلى التشريع دون الثاني ، بناء على تفسير « البدعة » بمعناها الأخصّ كما هو الظاهر.
نعم يمتاز عنهما في جميع تلك الأحكام من كان من أوّل الوقت قاطعا بعدم زوال العذر إلى آخره ، فهو حينئذ قاطع بعدم تكليف له إلاّ بما يناسب عذره من الأبدال ، فلو أتى به من دون تأخير لم يكن فاعلا للمحرّم ولا أنّه مخاطب من جانب العقل بالتأخير من باب المقدّمة ، لأنّه حين العذر لا يعتقد في حقّه التكليف بغير ما يناسب حاله ، وهو في اعتقاده ما لا مقدّمة له ، لأنّه يقطع بالبراءة في جميع أجزاء الوقت ومعه لا يعقل مخاطبته بالتأخير من باب المقدّمة العلميّة.
غاية الأمر أنّه إذا انقطع عذره في الأثناء انكشف له فساد اعتقاده من جميع الجهات المذكورة.
نعم لو استفدنا وجوب التأخير عن الروايات ـ على فرض ورودها في الباب ـ نظير الأخبار الواردة في تأخير المتيمّم فربّما يحتمل كونه تعبّديا ويتساوى فيه حينئذ من قطع بزوال العذر ومن قطع بعدمه ومن شكّ فيهما كما لا يخفى.
وإذا تمهّد هذا كلّه فاعلم أنّ إشكال المسألة وهي كون أداء المأمور به الاضطراري مفيدا للإجزاء مطلقا إنّما ينشأ عن الشبهة في أنّ المكلّف المعذور الّذي يلحقه في الوقت زوال العذر هل هو بحسب الواقع ونفس الأمر مكلّف بما يناسب عذره أو لا ، بل هو مكلّف في متن الواقع ـ ولو حال العذر ـ بالمأمور به الواقعي الّذي ينوط حصوله بلحوق زوال العذر؟
فعلى الأوّل لا إشكال في أنّ الإتيان بالبدل الاضطراري على وجهه ممّا يفيد امتثال
__________________
(١) أثبتناه استظهارا ، والأصل هنا مطموس.