وإن شئت فاستوضحه بملاحظة بناء العقلاء فيما لو خاطب المولى عبيده المتعدّدين وقال : « إفعلوا غدا كذا وكذا » مع اختلاف أحوالهم بتمكّن بعضهم عنه في جميع آنات الغد ، وعدم تمكّن البعض الآخر إلاّ في بعضها ، وعدم تمكّن البعض الثالث في شيء منها ، فإنّهم لو تركوه حينئذ بأجمعهم لاستحقّ من عدا الأخير منهم للذمّ والعقاب على جهة سواء ، ولا يعدّ من عدا الفريق الأوّل معذورا في نظر المولى ولا العقلاء بسبب ما لحقه من العذر في أوّل الغد أو وسطه أو آخره ، كما أنّه لا عذر للفريق الأوّل أصلا بخلاف الأخير حيث إنّه معذور عند المولى وغيره ، فلذا يقبح تشريكه مع غيره في الذمّ والعقاب ، وليس ذلك إلاّ من جهة إذعانهم بكفاية التمكّن في الجملة بالمعنى المتقدّم ، ولا فرق في ذلك بين ما لو علم المكلّف حال الخطاب بزوال عذره فيما بعد ذلك وما لو جهل به.
غاية الأمر أنّ التكليف على الأوّل يقع منجزا والمكلّف به معلّقا على حصول شرط وقوعه ، بخلاف الثاني الّذي يبقى فيه أصل التكليف معلّقا بالمعنى الّذي قرّرناه في بحث الأمر مع العلم بانتفاء الشرط ، ولكن لا بالنسبة إلى التمكّن الّذي هو منتف حال الخطاب ، بل بالنسبة إلى علم المكلّف بتوجّه الخطاب إليه وصدور الطلب بالقياس إليه ، فإنّه ما دام العذر لا علم له بذلك وإن احتمل زواله.
نعم إذا زال وعلم به يتبيّن له توجّه الخطاب إليه فيتعلّق به الطلب لعلمه حينئذ بصدوره بالنسبة إليه أيضا ، ويستكمل به أركان التكليف بأجمعها ولو فرض كونه قبل ذلك معتقدا بخلاف ما علم به حينئذ ، فإنّ الأحكام منوطة بالامور الواقعيّة والاعتقاد بمجرّده لا يصلح مخصّصا لعموم الخطاب المفروض بعد فرض تناوله له بالوضع مع تبيّن فساده ، بل الّذي يخصّصه بحكم العقل انتفاء ما هو مناط الحكم في متن الواقع ، ومفروض المقام خلافه.
نعم لو زال عذره في الواقع وهو باق على اعتقاده فلا تكليف له ما دام ذلك الاعتقاد ، لانتفاء شرطه الّذي هو العلم حينئذ دون التمكّن الّذي كان منتفيا قبل ذلك.
والحال في تبيّن التكليف وتوجّه الخطاب إليه بانكشاف زوال العذر له كالحال في تبيّنه للظانّ بالتمكّن أوّل الوقت إذا انقضى منه ما يسعه أداء المكلّف به وهو على تمكّنه ، فلذا تراهم متّفقين على وجوب الاقدام عليه اعتمادا على ظنّه في نفسه ببقاء تمكّنه.
ومن هنا ـ مضافا إلى ما مرّ في بحث الواجب الموسّع ـ يندفع توهّم التخيير أوّل الوقت فيه بين فرديه الاختياري والاضطراري إذا كان المكلّف بحيث يلحقه في أجزاء ذلك الوقت