باب تسمية السبب باسم المسبّب ، وإلى أيّهما تطرّق التجوّز بقي الآخر على حقيقته.
وعلى هذا القياس قولك : « تأديب اليتيم ضربه أو حبسه » فإمّا أن يراد بالتأديب ما يحصل به التأديب مجازا ، أو بالضرب ما يحصل بالضرب ، وبالحبس ما يحصل بالحبس من باب ذكر المسبّب أو السبب وإرادة السبب أو المسبّب ، والنكتة في هذا التجوّز التنبيه على الحكم وعلّته معا.
وإلى ذلك ينظر قوله تعالى : ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) ضرورة أنّ الكفّارة مصلحة للأمر مسبّبة عن الامور المذكورة لا نفس المأمور به ، كما يومئ إليه بعض العبائر ، ولا كلّي مشترك بين تلك الامور كما يستفاد من بعض الأعلام في قوله : « فالخطاب بالكفّارة عينيّ يستتبع التخيير في أفرادها ، والخطاب بأحد الخصال تخييريّ » فإنّ محو الذنب ما يتسبّب عن الخصال لا أنّها بعينها محو ، فذكرها في الكلام تنبيه على علّة الطلب الإيجابي وهو مستفاد من الهيئة التركيبيّة ومتعلّق بالخصال لا بالكفّارة ، وهي إمّا أن يكون المراد بها ما يحصل به الكفّارة أو تكون على حقيقتها ، ويراد بالخصال المذكورة ما يحصل بها ، وأيّا مّا كان فهو مجاز بالعلاقة المذكورة ويفيد مفاد هذا التركيب قولك : « أطعم المساكين أو اكسهم أو حرّر رقبة للكفّارة » وقولك : « كفّر بإطعام المساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ».
وكلمة « أو » في هذه التراكيب لا يعقل كونها تنويعيّة لما عرفت من قضيّة اختصاصها بالإخبار فلا تلائم المقام ، مع عدم ملائمتها لكلمة « الفاء » سواء جعلناها تفريعيّة أو جزائيّة ، مضافا إلى انتفاء شرط التنويع هنا من عموم موضوع القضيّة وخصوص محمولها ، ولا ترديديّة لمنافاة الإنشاء للإخبار مع امتناع الجهل والتشكيك هنا ، مع أنّ الترديد الملازم للتشكيك إن اخذ بالقياس إلى الطلب فهو ممّا لا محصّل له بل لا يكاد يعقل ، أو بالقياس إلى المطلوب فكذلك لأنّ الشكّ في متعلّق الطلب بعد الجزم بصدوره ممّا لا معنى له ، فقول الأشاعرة بأنّ « أو » لأحد الشيئين أو الأشياء إن كان منزّلا إلى هذا المعنى فهو مقطوع بفساده ، غير أنّه قد عرفت أنّ مقالتهم لا تغائر بالذات لمقالة الأصحاب وأكثر المعتزلة ، فيكون مرادهم به ما يرجع إلى ما ذكروه من كون الواجب كلّ واحد على البدل ، بمعنى تعلّق الوجوب بالخصوصيّات مع إلغاء ما في كلّ منها من التعيين الّذي هو مفاد التخيير.
وقضيّة ذلك أن يحمل الاستدلال على إرادة أنّ « أو » للدلالة على أنّ ما يستقرّ في ذمّة