بخلاف الأوّل إذ لا يتعقّبها فيه إلاّ المفرد.
وثالثها : التخيير القاضي بالرخصة في كلّ من طرفي الفعل والترك ، فيكون إباحة أو جعل الاختيار في أداء ما يحصّل ـ من الامور المصحوبة لها ـ به الغرض الباعث على إيجاب تلك الامور لا على جهة التعيين ، فلا يلاحظ معه عموم ولا خصوص في الموضوع ولا المحمول ، بل هو ممّا يلازم الإنشاء على خلاف الأوّلين ، مع كون القضيّة باعتبار وضعها إنشائيّة أو لا مع اشتمالها على الغرض الّذي هو مصلحة الطلب بعنوان وروده للتعليل أو متعلّقا لذلك الطلب أو موضوعا في القضيّة المسوقة لإفادته ، فقولك : « اضرب اليتيم أو احبسه للتأديب » و « أدّب اليتيم بالضرب أو الحبس » و « تأديب اليتيم ضربه أو حبسه » و « اضرب اليتيم أو احبسه » يرد في جميع عباراته لإفادة معنى واحد ولكن العبارات تختلف في تطرّق تجوّز إلى بعضها دون بعض ، فإنّ الأوّل والأخير لا تجوّز فيهما أصلا مع الفرق بينهما في الاشتمال على علّة الحكم وعدمه ، بخلاف الثانية والثالثة لأنّ في « أدّب اليتيم بالضرب أو الحبس » مجازا عقليّا من جهة أنّ مقصود المتكلّم في مثل ذلك إيجاب السبب ، ولكن يأتي بالعبارة على وجه يكون الأمر واردا على المسبّب توسّعا مع التنبيه على الحكم وعلّته ، وفي « تأديب اليتيم ضربه أو حبسه » مجازا لغويّا من وجهين :
الأوّل : من جهة إطلاق الإخبار في موضوع الإنشاء.
والثاني : من جهة إطلاق المسبّب على سببه أو بالعكس.
وتوضيح ذلك : أنّ السبب قد يطلق ويراد المسبّب كما في « رعينا الغيث » كما أنّ المسبّب قد يطلق ويراد به السبب كما في « أمطرت السماء نباتا ».
ولا ريب أنّ اللفظ إذا استعمل في معنى مجازي يؤول باعتبار ما تضمّنه الاستعمال من النسبة التقييديّة عند التحليل إلى جملة خبريّة تشتمل على المعنى المستعمل فيه موضوعا واللفظ المستعمل محمولا ، فيقال في المثالين : « النبات غيث » و « المطر نبات » ولمّا كان الحمل ممّا يقتضي الاتّحاد الموجب لامتناع حمل المبائن فلا مناص في تلك القضيّة أيضا من تجوّز في موضوعها ، بأن يراد بالنبات في المثال الأوّل ما يحصل به النبات من باب تسمية السبب باسم المسبّب ، وبالمطر في المثال الثاني ما يحصل بالمطر من باب تسمية المسبّب باسم السبب ، أو في محمولها بأن يراد بالغيث في المثال الأوّل ما يحصل بالغيث من باب تسمية المسبّب باسم السبب ، وبالنبات في المثال الثاني ما يحصل به النبات من