والنكث النقض ومنه قوله تعالى : ( نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ )(١) أي نقضوها ، والعقد الشدّ والميثاق ومنه قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(٢).
وفي المجمع : هي جمع عقد بمعنى العقود وهي أوكد العهود ، والفرق بين العهد والعقد أنّ العقد فيه معنى الاستيثاق والشدّ ولا يكون إلاّ من متعاقدين ، والعهد قد يتفرّد به الواحد. والكفّارة التغطية ، لأنّه تكفّر الذنب عن الإنسان أي تمحوه وتستره وتغطّيه ، وكلمة « الفاء » في قوله : « فكفّارته » يمكن كونها للتفريع على ما سبق ذكره من نكث ما عقدوه الّذي يؤاخذ الله به ، وكونها الجزاء لشرط مقدّر فيكون المعنى : وإن نكثتم أيمانكم بعد ما عقّدتموها فكفّارته إطعام عشرة مساكين إلى آخره ، وهذا هو محلّ الاستشهاد.
وعن أصحاب القول بأنّ الواجب في المخيّر كلّ واحد على البدل الاحتجاج بظاهر الآية ، تعليلا بأنّ المتبادر منها إيجاب الاطعام والتحرير على سبيل البدليّة.
وعن الأشاعرة أيضا الاحتجاج به تعليلا بأنّ كلمة « أو » لأحد الشيئين أو الأشياء وتعلّق الأمر بواحد منهم محقّق ومستقيم والنصّ دالّ عليه بظاهره فيجب العمل بمقتضاه.
ومن الأعلام من استوجه كلا الوجهين ، ولا بأس بأن نشير إلى دقيقة حسبما يساعده العرف والقواعد ليتّضح بها مفاد الآية ونظائرها ممّا يرد في العرف وفي الشرع كتابا وسنّة ، وهي أنّ كلمة « أو » على ما يشهد به الاستعمالات المتداولة في العرف ترد لمعان :
أحدها : التنويع القاضي بكون كلّ ممّا بعدها قسما لما قبلها المأخوذ موضوعا في القضيّة ومن لوازمه وقوعها في حيّز الخبر خاصّة.
وثانيها : الترديد القاضي بكون الحكم فيما بين الموضوع وأحد الأمرين أو الامور على جهة التشكيك مع المنع عن كلّ من الاجتماع والافتراق كما في الانفصال الحقيقي ، أو عن الاجتماع فقط كما في منع الجمع ، أو عن الافتراق فقط كما في منع الخلو ، وهو كسابقه في اختصاصها بوقوعها في حيّز الخبر أيضا ويمتاز عنه بعموم موضوع القضيّة في الأوّل وكونه من الماهيّات الملحوظة لا بشرط وخصوص محمولها مع تعدّده ، وخصوص موضوعها وكونه جزئيّا حقيقيّا أو إضافيّا في الثاني مع عموم محمولها وتعدّده ، فقولنا : « العدد زوج أو فرد » من قبيل الأوّل ، كما أنّ « هذا العدد زوج أو فرد » من قبيل الثاني وقس عليهما كلّما يرد عليك من الأمثلة ، ويكثر في الثاني تعقّب الجملة لها أسميّة أو فعليّة
__________________
(١) التوبة : ١٢.
(٢) المائدة : ١.