سقوط القضاء.
وثالثها : قد تحصّل بالتأمّل في جميع ما قرّر في الأمر السابق من البداية إلى النهاية امور :
الأوّل : اختلاف الاصولييّن في فهم مراد القاضي وتقرير مذهبه على وجهين :
أحدهما : نفي الاقتضاء مجرّدا عن دعوى اخرى متضمّنة لقضيّة إيجابيّة منضمّة إلى القضيّة السلبيّة.
وثانيهما : نفيه مع دعوى عدم اجتماع أمر آخر بالقضاء غير الأمر الأوّل.
وربّما يحتمل في هذا المذهب القول باقتضاء الأمر لعدم الإجزاء وعدم سقوط القضاء في الجملة ، ولعلّ وجهه أنّ عدم الاقتضاء في قول هذا القائل مفهوم له فردان :
أحدهما : سكوته عن الإجزاء نفيا وإثباتا ، فيقابله قول الآخرين باقتضائه للإجزاء.
وثانيهما : اقتضاؤه لعدم الإجزاء ، فيقابله قول الآخرين باقتضاء الإجزاء أو بعدم اقتضاء عدم الإجزاء ، ولا يخفى بعده بل سقوطه ووضوح فساده ، حيث لم يرد لبيان ذلك في كلامهم تصريح ولا تلويح ولا إشارة ، بل هو ما ينافيه الأدلّة من الطرفين ، بل التحقيق أنّ الوجه الثاني أيضا سهو ، لكون أدلّة الطرفين متّفقة على الوجه الأوّل ، ولعلّه وهم نشأ عمّا تقدّم في عبارة عبد الجبّار ـ على ما في محكيّ التفتازاني ـ من قوله : « ويلزمه القضاء » بتوهّم أنّ هذه قضيّة يراد بها إيجاب القضاء فيكون خطابا آخر غير الأوّل مثبتا للقضاء.
وفيه : منع إفادة ذلك هذا المعنى وإلاّ لكان عليه الإتيان بضمير الخطاب موضع الغيبة ويقول : « ويلزمك القضاء » فالعدول عن الخطاب إلى الغيبة قرينة واضحة على إرجاع الضمير إلى ما قبله وهو « الواجب » ، فيكون المراد بتلك القضيّة حينئذ أنّ الواجب من لوازمه القضاء.
ولا ريب أنّ تعليق الحكم على الوصف ممّا يشعر بعلّيّة مأخذ الاشتقاق وهو هنا وصف الوجوب ، وهو كما ترى وصف حصل في الواجب بالأمر الأوّل ، فيكون ثبوت القضاء من مقتضيات هذا الوصف لا من مقتضيات ما حصل فيه بأمر آخر ، بل لا يبعد انطباق ذلك على الوجه الثالث الّذي زيّفناه كما لا يخفى.
ويمكن كون ذلك التوهّم ناشئا عن توهّم كون الامتثال المتّفق على حصوله عبارة عن الخروج عن عهدة التكليف كما صرّح به التفتازاني ، فعلى هذا لا بدّ وأن يرجع مفاد هذا المذهب إلى أنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه المستلزم للخروج عن العهدة لا يستلزم امتناع أمر آخر بالقضاء ، ولمّا كان إنكار ذلك ممّا يقرب من إنكار الضروري فلا بدّ وأن