يرجع كلام المثبتين للإجزاء إلى دعوى عدم تسمية المأمور به بالأمر الثاني قضاء في الاصطلاح ، فيعود النزاع بين الفريقين حينئذ لفظيّا راجعا طلى أمر لفظيّ اصطلاحي كما صرّح به بعض الأعلام.
ولا يخفى بعده عن طريقة أهل النظر ، ولا سيّما المحقّقين وفحول العلماء المتقدّمين والمتأخّرين من العامّة والخاصّة ، مع عدم كونه ممّا يساعد عليه شيء من أطراف المسألة ، ولا سيّما أدلّتها الّتي العمدة في تحصيل موضع النزاع في خلافيّات المسائل اصوليّة وفروعيّة ، بل الراحج في النظر القاصر القريب من كونه مقطوعا به أنّ الخلاف حاصل على الوجه الأوّل.
وعليه فلعلّ منشأ الخلاف ـ حسبما يرشد إليه التأمّل ـ أنّ الأمر له مدلول مطابقي وهو الطلب الحتمي المتعلّق بايجاد الفعل في الخارج الّذي يترتّب على مخالفته استحقاق العقوبة وعلى موافقته استحقاق المثوبة ، ومدلول التزامي يثبته العقل وهو حصول الامتثال بفعله على معنى موافقة الأمر لو أتى به المكلّف على وجهه الرافع لاستحقاق العقوبة [ و ] الموجب لاستحقاق المثوبة ، ومدلول آخر التزامي أيضا من جهة العقل على تقدير ثبوته وهو حصول الإجزاء الموجب لفراغ ذمّة المكلّف عمّا استقلّت به أوّلا بالمرّة ، فمرجع دعوى المثبتين إلى اثباته أيضا من جهة العقل كما يشهد به أدلّتهم الآتية وجعله كسابقه من توابع أداء المأمور به على وجهه ، كما أنّ مرجع دعوى النافين إلى نفي ذلك ، بدعوى عدم منافاة حصول الامتثال وموافقة الأمر لبقاء المأمور به بعد في الذمّة المحتاج رفعه إلى الإتيان به ثانيا في الوقت وخارجه.
فالمسألة حينئذ عقليّة لا مدخل لها بما يرجع إلى ما هو من أحوال الدليل ، والّذي يفصح عن ذلك ـ مضافا إلى عدم مساعدة أدلّة الطرفين غيره أكثر العناوين المشتملة على التعبير بأنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء أو لا يقتضيه؟ يستلزمه أو لا يستلزمه؟ يوجبه أو لا يوجبه؟
نعم في تهذيب العلاّمة التعبير عنه بأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، غير أنّه لا ينافي ما ذكرناه بعد حمله على المسامحة في التعبير أو أنّ الاضافة يكتفي فيها بأدنى الملابسة ، نظرا إلى أنّ الأمر أيضا له مدخليّة في الجملة في حصول الإجزاء ، لاستناده إلى حصول الأداء المأمور به على هذا الوصف ، وهو وصف أعطاه الأمر ، وممّا ينتهض قرينة على ذلك