والجواب : أمّا عن امتناع الفضلة في الوقت ، فقد اتّضح ممّا حقّقناه آنفا ، فلا نطيل باعادته. وأمّا عن تخصيص الوجوب بالأوّل ، فبأنّه لو تمّ لما جاز تأخيره عنه ، وهو باطل أيضا ، كما تقدّمت الاشارة إليه.
واحتجّ من علّق الوجوب بآخر الوقت : بأنّه لو كان واجبا في الأوّل لعصى بتأخيره ؛ لأنّه ترك للواجب ، وهو الفعل في الأوّل ، لكنّ التالي باطل بالاجماع ، فكذا المقدّم.
وجوابه : منع الملازمة ، والسند ظاهر ممّا تقدّم ؛ فانّ اللزوم المدّعى إنّما يتمّ لو كان الفعل في الأوّل واجبا على التعيين. وليس كذلك ، بل وجوبه على سبيل التخيير. وذلك أنّ الله تعالى أوجب عليه إيقاع الفعل في ذلك الوقت ، ومنعه من إخلائه عنه ، وسوّغ له الاتيان به في أي جزء شاء منه. فان اختار المكلّف إيقاعه في أوّله أو وسطه أو آخره ، فقد فعل الواجب.
________________________________
أن صادفه ذلك ، فحينئذ إمّا أن يكون مكلّفا أو لا؟ والثاني باطل لإفضائه إلى تقييد دليل التوقيت من غير دليل.
وعلى الأوّل فإمّا أن يكون مكلّفا بما يناسب العذر أو بما لا يناسبه.
والثاني باطل لإدّائه إلى التكليف بما لا يطاق فتعيّن الأوّل.
فإن قلت : بعد ما أنكرت الإطلاق في المقام الأوّل كيف يمكنك التمسّك به هنا.
قلنا : قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )(١) له إطلاق من جهات عديدة :
منها : ما ادّعي بالنسبة إلى الصلاة وقد أنكرناه.
ومنها : ما ادّعيناه بالنسبة إلى أجزاء الوقت المحدود بالدلوك والغسق ، وهذا الإطلاق ممّا لم يطرئه جهة اجمال.
ولا ورد عليه تقييد فيكون سليما عن المعارض ومحلا للاستناد إليه فلا منافاة بين الكلامين كما أنّه لا فرق في الحكم بين المقامين.
فإن قلت : القول بالتخيير في أوّل الوقت بين فردي الاختياري والاضطراري ينافي
__________________
(١) الاسراء : ٧٨.