ولا ريب أنّ مفهوم « أحد الأفراد » ليس بهذه المثابة ، إذ لا يجوّز العقل اتّحاده مع زيد وعمرو وبكر في آن واحد لمنافاة الوحدة للكثرة ، وكذا لا يصحّ حمله على الكثرة بأن يقال : زيد وعمرو وبكر أحد الأفراد ، ومثله في هذا الحكم « فرد مّا » في مدلول النكرة.
نعم يصدق على كلّ من الامور المذكورة بدلا عن صدقه على الآخر في آنات متبادلة ، وهو من لوازم ما اعتبر فيه من الابهام وإلغاء التعيين ومجرّد ذلك لا يقضي بكونه كلّيا.
فالحقّ أنّه مفهوم كالجزئي مطابق لمصداقه يحصل له من جهة إلغاء خصوصيّته المشخّصة له بعد إلغاء تعيينه حين اعتبار النسبة بينه وبين ما نسب إليه ، ولذا يقال له :
المفهوم الاعتباري والكلّي الانتزاعي ، فهو في الحقيقة جزئي كالمنتزع عنه وتسميتها بالكلّي مجاز لمشاركته له في عدم اعتبار الخصوصيّة معه.
إلاّ أن يقال : بأنّ المأخوذ في حدّ الكلّي من صدقه على الكثيرين أعمّ من الصدق الآني والصدق التبادلي وهو غير ظاهر بل الظاهر خلافه.
وعن ثانيهما : بنحو ما تقدّم من الفرق بين أخذ « لا بعينه » وصفا للواجب باعتبار عدم اعتبار تعيين فيه ، أو قيدا لما حصل له وصف الوجوب حتّى يكون شرطا في الامتثال ، والإشكال إنّما يرد على الثاني دون الأوّل.
وبالجملة الّذي يظهر من تضاعيف كلمات الأشاعرة استدلالا ونقضا وإبراما ودفعا للنقوض الواردة عليهم أنّه لا يغاير مقالتهم لمقالة المعتزلة وإن غايرتها في العبارة ، وكأنّ الموهم للمغايرة ما في كلامهم من أنّ الواجب أحد الأبدال لا بعينه بزعم أنّ مرادهم به المفهوم المعرّى عن اعتبار الخصوصيّة واعتبار التعيين وقد عرفت خلافه ، وسيأتي زيادة توضيح في ذلك في شرح عبارة المصنّف.
وأمّا الجهة الثانية : فمن جملة الظواهر ما ورد في الكتاب العزيز من قوله تعالى ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ )(١) الآية.
وعن ابن عبّاس قوله : ( بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها بالقصد والنيّة.
وقيل : وقرأ عقدتم بالتخفيف وعاقدتم ، والمعنى : ولكن يؤاخذكم بنكث ما عقدتم ،
__________________
(١) المائدة : ٨٩.