فإدراك آخر الوقت علّة محدثة للوجوب عند بعض الحنفيّة وعلّة كاشفة عن تحقّق شرطه في الواقع الموجب لسبق الوجوب من حين تحقّق شرطه عند الكرخي.
وبهذا الاعتبار يصحّ أن يقال : بأنّ الوجوب مختصّ بآخر الوقت لما في إضافة الأمر الاعتباري ـ الّذي هو شرط الوجوب ـ إليه مدخليّة تامّة في عروض وصف الشرطيّة وتحقّق عنوان السببيّة ، فالحكم باختصاص الوجوب بالآخر حينئذ إنّما هو من جهة كون الآخر محقّقا لموضوع الشرطيّة ومحلّ السببيّة ، كما أنّ الحكم بذلك على مذهب بعض الحنفيّة إنّما هو من جهة كون الآخر بنفسه موضوعا للشرطيّة ومحلاّ للسببيّة.
ويمكن أن يقال : إنّ شرط الوجوب عند الكرخي هو مجموع أجزاء الوقت المحدود من حيث المجموع ، لا كلّ جزء على الاستقلال ولا بعض منها على التعيين ، وظاهر أنّ المشروط حينئذ لا تحقّق له إلاّ بعد تحقّق شرطه بجميع أجزائه ، فالمكلّف ما لم يلحقه آخر الوقت لا يعلم بالوجوب وإذا لحقه يعلم بسبقه ، لا لأنّ الشرط هو نفس الهيئة الاجتماعيّة ليلزم تحقّق المشروط قبل تمام شرطه ، بل لأنّ الشرط كونه ممّن يلحقه تلك الهيئة الاجتماعيّة ، فحينئذ يصحّ الحكم باختصاص الوجوب بآخر الوقت من جهة كونه الجزء الأخير من علّة الوجوب ، والجزء الأخير من العلّة كنفس العلّة في صحّة استناد المعلول إليه.
فلذا ترى أنّه ينوط به وجودا وعدما كما ينوط بنفس العلّة وجودا وعدما.
هذا ، ولكن لا يذهب عليك أنّ القول بكلّ من التوجيهين لا يلائم القول بامتناع التوسعة في الوقت ولا دليله ، مع أنّه يعدّ عندهم من المذاهب المتفرّعة على هذا القول ، وذلك لأنّ ما يظهر بإدراك آخر الوقت على صفات التكليف من سبق الوجوب نوع توسعة في وقت أداء الواجب ووجوبه ، ولا يجري معه دليلهم العامّ الّذي استندوا إليه في إنكار التوسعة من أدائها إلى جواز ترك الواجب ، لأنّ قضيّة هذا الدليل نفي هذا النوع من التوسعة أيضا.
إلاّ أن يقال في دفع الأوّل : بأنّ معنى التوسعة المتنازع فيها على ما أشرنا إليه استقلال كلّ جزء ممّا يسع الفعل من أجزاء الوقت في الشرطيّة للوجوب.
ولا ريب أنّ القول المذكور إنكار للتوسعة بهذا المعنى ، والّذي تضمّنه من التوسعة ليس من المتنازع فيه في شيء.
ويظهر الفائدة بينه وبين القول بالتوسعة بالمعنى المتنازع فيه في أمور :