والرابع كالأوّل في تأديته للتكليف بالمحال ، فتعيّن الخامس وهو المطلوب.
وربّما يحكى الاحتجاج (١) عليه أيضا : بأنّ الفعل لو وقع في كلّ جزء من أجزاء الوقت كان مجزيا بالإجماع ، ولا يكون كذلك إلاّ إذا كان محصّلا لمصلحة الواجب ، وكان إيقاعه في كلّ وقت قائما مقامه في غيره من الأوقات فيكون واجبا ، إذ لولاه فإمّا من جهة فوات مصلحة الواجب فيكون حراما ، أو من جهة بقائها فيكون أداء الفعل ثانيا واجبا ، وكلاهما باطلان إجماعا.
وردّ : بأنّه لو اريد بكون الإتيان بالفعل في كلّ جزء من الوقت مجزيا أنّ الإتيان به إتيان بالمأمور به فهو المتنازع فيه ، ولو اريد به كونه مسقطا للخطاب فهو أعمّ ، لجواز كون إيقاعه في بعض الأجزاء ندبا يسقط به الفرض وفي آخر واجبا فيكون أعمّ.
أقول : يمكن تتميم الحجّة وتوجيهها على وجه يندفع به الردّ المذكور ـ وإن كانت العبارة المذكورة في تقريرها قاصرة عن تأديته ـ وهو أن يقال : إنّ ما ذكر من عموم القضيّة إنّما يصحّ بعد إحراز مقدّمتين :
إحداهما : كون الفعل في بعض أجزاء الوقت نفلا ، وهو ممّا لا دليل عليه من عقل ولا نقل ، ولا تعرّض في الأمر الموقّت للتنبيه عليه أصلا ، كيف وهو ممّا يفضى إلى وقوع استعماله في أكثر من معنى.
ولا ريب أنّ مجرّد الاحتمال مع عدم قيام الدليل لا يكفي في ثبوته ، مع كونه من التوقيفيّات الّتي الأصل فيها العدم ، والمراد به القاعدة الّتي يعبّر عنها بـ « أنّ عدم الدليل دليل العدم ».
وثانيتهما : كون النفل على فرض ثبوته مسقطا عن الفرض ، وهو أيضا على خلاف الأصل فلا يصار إليه ، ولا يعتنى باحتماله إلاّ في مورد الدليل والمقام ليس منه ، وثبوته في باب الزكاة ـ على فرض تسليمه ـ خارج بالدليل فلا يقاس عليها غيره.
وبالجملة هذه الحجّة منوطة بالإجماع على كون إيقاع الفعل في أيّ جزء من أجزاء الوقت محصّلا لمصلحة الواجب ، وهو على حدّ الانفصال الحقيقي دائر بين كونه من جهة
__________________
(١) قرّره السيّد في المنية هكذا : « ولوقوع الإجماع على أنّ المؤدّى للفعل المأمور به على الوجه المذكور في أيّ جزء من أجزاء الوقت يكون مؤدّيا للفرض ، وذلك مؤذن بأنّ إيقاع الفعل في أيّ جزء كان مساو لإيقاعه في غيره من تلك الأجزاء في تحصيل مصلحة الواجب ، وذلك مستلزم لوجوبه فيه ، إذ لو كان الفعل في بعض أجزاء الوقت غير محصّل لمصلحة الواجب لكان إمّا مفوّتا لها فيكون حراما أو لا ، فيجب إيقاع الفعل في جزء آخر غيره تحصيلا لتلك المصلحة وهما خلاف الإجماع » انتهى. ( منه عفي عنه ).