متقابلين تقابل الإيجاب والسلب ، والواجب من هذين المفهومين أحدهما والآخر باق على ما عليه ذلك الشيء قبل الإيجاب بعنوانه الكلّي من الحكم المقرّر له شرعا ولو بحكم الأصل من إباحة أو استحباب ، فالأصحاب مع أكثر المعتزلة إن أرادوا بما قالوه من عدم وجوب الجميع وعدم جواز الإخلال بالجميع وأيّها فعل كان نفس الواجب هذا المعنى فمرحبا بالوفاق ، وإلاّ فمع أنّه ممّا لا يكاد يتعقّل مردود عليهم.
ثمّ لا يذهب عليك أنّ ما أوردنا في إبطال الأوّل من الوجوه المذكورة على من أوجب الجميع بعينه مع سقوط البعض بفعل غيره ، من لزوم كون إيجاب ما زاد على الواحد عبثا منافيا للحكمة ، لا يتّجه على ما قرّرناه وإن كان المقيّد الّذي هو محلّ الوجوب بحسب لحاظ الذهن متعدّدا باعتبار تعدّد الشيئين ، فإنّ المكلّف به حينئذ واحد على كلّ حال والتكليف أيضا واحد على كلّ تقدير ، وذلك لاستحالة تحقّق القيدين معا في الخارج من جهة مناقضة كلّ مقيّد لقيد الآخر.
ومن البيّن استحالة الجمع بين المتناقضين فيستحيل الجمع بين المقيّدين مع المقارنة ومع الترتيب فيستحيل التكليف بهما معا ، بل الّذي يتحقّق في الخارج واحد وهو أحد المقيّدين ، فيكون الإيجاب واحدا ولا تعدّد فيه حتّى يلزم خروج ما زاد على الواحد عبثا كما هو قضيّة الوجه الأوّل ممّا تقدّم ، ولمّا كان كلّ من هذين المقيّدين في لحاظ الذهن ملحوظا بقيد الخصوصيّة فتعلّق الإيجاب به بهذا الاعتبار لا أنّه تعلّق بالمفهوم المشترك بينهما لا بقيد الخصوصيّة ، ولمّا كان كلّ منهما في تعلّق الإيجاب به مع قيد الخصوصيّة لم يعتبر فيه تعيين بالنسبة إلى إيجاده المحصّل للامتثال فحصل التخيير بينهما بهذا الاعتبار.
فعلى هذا يصحّ أن يقال : إنّ الواجب أحدهما لا على التعيين مع اعتبار الخصوصيّة ، لا مع عدم اعتبارها ليكون الواجب مفهوم « الأحد » بعنوانه الكلّي الغير الملحوظ معه الخصوصيّة ، بأن لا يكون للخصوصيّة مدخل في الاتّصاف بالوجوب. وإلى ذلك يمكن إرجاع مقالة الأشاعرة من أنّ الواجب أحد الأبدال ، بأن يراد بالواجب ما يستقرّ في ذمّة المكلّف ، إذ من الظاهر أنّ الذمّة لا يستقرّ فيها إلاّ ما أمكن وجوده في الخارج ، ولا يوجد فيه إلاّ « الأحد » الملحوظ معه الخصوصيّة ، وأمّا مفهوم « الأحد » بما هو مفهوم ليس إلاّ أمرا ذهنيّا ولا يعقل له وجود فضلا عن إمكانه ، فيكون ما يستقرّ في ذمّة المكلّف أحد المقيّدين مع الخصوصيّة لا بشرط التعيين لينافي قضيّة التخيير ولا بشرط عدم التعيين ليمتنع إيجاده.