لنا على ذلك : مضافا إلى شهادة الوجدان ، دوران صفة الوجوب الكاشفة عن المحبوبيّة والمبغوضيّة وجودا وعدما مع التقييد بذلك القيد وجودا وعدما ، فنرى أنّ ترك هذا حال ترك ذاك مبغوض كما أنّ ترك ذاك حال ترك هذا مبغوض ، بخلاف ترك هذا حال فعل ذلك وترك ذاك حال فعل هذا ، إذ لا مبغوضيّة فيهما أصلا ، فيكون الممنوع ترك هذا حال عدم حصول ذاك ، وترك ذاك حال عدم حصول هذا ، وإذا انضمّ إليه الطلب الكاشف عن محبوبيّة الفعل يكون المحصّل : أنّ الواجب فعل هذا حال عدم حصول ذاك ، وفعل ذاك حال عدم حصول هذا.
وقضيّة ذلك أن لا يكون فعل هذا حال حصول ذاك ولا فعل ذلك حال حصول هذا واجبا ، والمراد بحالة الحصول حال دخول أحدهما في حيّز الوجود لا مطلق التشاغل ، بل لابدّ معه من الفراغ عن الفعل حتّى يكون الآخر غير واجب لانتفاء قيد وجوبه الموجب لعدم مبغوضيّة تركه.
وأيضا قد عرفت مرارا أنّ الوجوب مركّب من طلب ومنع ، وأنّهما ملزومان لمحبوبيّة ومبغوضيّة ، ولا إشكال في أنّ المبغوض في نظر الآمر عند الإيجاب التخييري فيما بين الشيئين كأكل الرمّان وشرب الرقي مثلا إنّما هو ترك الشيئين معا لا ترك أحدهما مع فعل الآخر ، وهو في معنى ترك هذا حال عدم حصول ذاك وترك ذاك حال عدم حصول هذا ، وظاهر أنّ « هذا حال عدم ذاك » و « ذاك حال عدم هذا » مفهوم مقيّد إذا اضيف إليه الترك كان مبغوضا.
وقضيّة ذلك كون المحبوب نقيض ذلك الترك ، وهو الفعل إذا اضيف إلى هذا المقيّد لا مطلقا ، فإنّ الوصفين المتناقضين يستدعيان موصوفين متناقضين ، ولا يعقل التناقض بين الموصوفين وهما الفعل والترك إلاّ إذا تواردا على محلّ واحد لمكان اشتراطه بوحدة الموضوع بالمعنى المتناول لجميع الوحدات الثمانية ، فإذا كان محلّ أحد المتناقضين وهو الترك المبغوض شيئا مقيّدا لابدّ وأن يكون محلّ المتناقض الآخر وهو الفعل المحبوب أيضا هذا الشيء المقيّد ، فيكون الواجب في المثال المذكور أكل الرمان مقيّدا بحالة عدم حصول شرب الرقي ، وشرب الرقي مقيّدا بحالة عدم حصول أكل الرمّان ، فأكل الرمّان حال حصول شرب الرقي وشرب الرقي حال حصول أكل الرمّان ليس بواجب ، لا سابقا على حصول ما حصل ولا لاحقا بحصوله ولا مقارنا لحصوله ، فيتحقّق بملاحظة الإيجاب على النحو المذكور بالنسبة إلى كلّ من « أكل الرمّان » و « شرب الرقي » مفهومان مقيّدان بقيدين