وترك المجموع مغاير لترك البعض ، والطلب متعلّق بفعل ذلك البعض ، بل لابدّ وأن يتعلّق المنع بترك كلّ بانفراده ليكون كلّ واجبا برأسه على سبيل التعيين ، وهو خلاف الفرض بل عدول عن مذهب الأصحاب إلى ما ذهب إليه بعض المعتزلة ، مع أنّ المقيّد إذا ورد على شيء لا يتخلّف عنه قيده وإلاّ لم يكن مقيّدا ، كما أنّ الملزوم إذا حصل في شيء لابدّ وأن يحصل فيه لازمه استحالة تخلّف اللازم عن الملزوم.
فلو سلّمنا أنّ المنع من الترك ليس فصلا للوجوب بل كان قيدا خارجا عن ماهيّته أو لازما من لوازمه لما تمّ الوجه المذكور ، لجريان قضيّة الاستحالة في الجميع على حدّ سواء.
وخامسها : أن يقال : بأنّه بعد الفراغ عن تصوّرهما ينتزع منهما أمرا مشتركا بينهما اعتبارا كمفهوم « أحدهما » فيطلبه بعينه ويمنع عن تركه ، فيكون المتّصف بالوجوب جنسا وفصلا هو القدر المشترك الاعتباري دون الخصوصيّتين ، وهذا هو الّذي نسبوه إلى الأشاعرة ولكنّه اشتباه صرف لما سيأتي.
وفيه : أنّا نجد من أنفسنا عند إنشاء التخيير الإيجابي خلاف ذلك ، فإنّ الملحوظ قبل الإنشاء ليس إلاّ الخصوصيّتين والصفة المقتضية للطلب الإلزامي ليست قائمة إلاّ بكلّ من الخصوصيّتين على تقدير عدم حصول الخصوصيّة الاخرى ، والحبّ والبغض النفسانيّين اللّذان يحرّكان إلى الإيجاب ثابتان في كلّ منهما على التقدير المذكور ، ولا داعي إلى العدول عن إيجاب الخصوصيّتين على هذا التقدير إلى إيجاب غيرهما من الأمر الانتزاعي ، بل الإيجاب أيضا يتبع سائر الامور المذكورة في تعلّقه بكلّ منهما مقيّدا بعدم حصول غيرها بحكم الوجدان.
نعم قد يتعلّق الإيجاب بذلك القدر المشترك فيما إذا كان أفراده غير محصورة ولا ملحوظة إلاّ على سبيل الإجمال ، ونظيره أفراد الواجب المعيّن على القول بتعلّق الأحكام بالأفراد لا الطبائع ، فإنّ الأفراد حينئذ تلاحظ إجمالا وينتزع منها مفهوم « الأحد » فيطلب على سبيل الحتم والإلزام ، والمقام ليس منه جزما.
فبالجملة لا ريب في أنّ التخيير الإيجابي لا يقع إلاّ بين شيئين فصاعدا مع تقييد كلّ منهما بحالة عدم حصول الآخر ، فيكون الواجب هو المقيّد منهما بتلك الحالة لا مطلقا ، والتخيير يقع بين المقيّدين لا بينهما على الإطلاق ، فهما مع انتفاء القيد ليسا بواجبين أصلا لا تعيينا ولا تخييرا.