ورابعها : أن يقال : بأنّه بعد الفراغ عن التصوّر يطلب كلاّ منهما بانفراده ويمنع عن ترك المجموع منهما من حيث المجموع ، بمعنى كون الممنوع منه والمبغوض في نظره ترك كلّ مع معادله لا ترك البعض مع أداء البعض الآخر.
وقضيّة ذلك تعلّق جنس الوجوب بالقياس إلى كلّ منهما بأمر بسيط وتعلّق فصله بأمر مركّب وهو ترك هذا وترك ذاك ، فيرتفع المنع بانتفاء أحد الجزئين ويتبعه في الارتفاع الطلب الّذي هو جنس ، إذ لا بقاء له بدون الفصل.
وهذا الوجه ما يستفاد عن بعض الأفاضل حيث قال : « إنّ حقيقة الوجوب كما عرفت هي مطلوبيّة الفعل على سبيل الحتم والجزم في الجملة ، بأن يريد الآمر صدور الفعل من المكلّف ولا يرضى بتركه بالمرّة ، فإذا أمر المكلّف بأفعال عديدة على سبيل التخيير فقد أراد حصول كلّ واحد منها على وجه المنع من ترك الجميع ، بأن لا يكون تاركا للكلّ ـ إلى أن قال ـ : فالطلب متعلّق بكلّ واحد من الأفعال الّتي وقع التخيير بينها ـ إلى أن قال ـ : لا يقال : إنّ قضيّة ما ذكر من تعلّق الطلب بكلّ واحد من الأفعال الّتي وقع التخيير بينها ـ إلى أن قال ـ : لا يقال : إنّ قضيّة ما ذكر من تعلّق الطلب بكلّ واحد منها حصول الامتثال بالفعل الثاني والثالث مثلا من تلك الأفعال وإن ارتفع المنع من الترك بفعل الأوّل مع أنّ الحال على خلاف ذلك ، إذ بعد الإتيان بواحد منها لا يبقى هناك تكليف أصلا.
لأنّا نقول : إنّ الطلب الحتمي الحاصل في المقام المتعلّق بكلّ منهما متقوّم بالمنع من الترك الملحوظ على الوجه المذكور ، فإذا فرض ارتفاع المنع من الترك بفعل واحد منها قضى ذلك بارتفاع الطلب المتقوّم به ، فلا وجه لتحقّق الامتثال بعد ذلك » انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الوهن أيضا ، فإنّ الجنس والفصل ذاتيّان لشيء واحد فلا بدّ من تواردهما على محلّ واحد ، فالطلب إذا أضيف إلى فعل شيء يجب أن يضاف المنع أيضا إلى ترك ذلك الشيء دون غيره ممّا يبائنه ، أو المجموع منه ومن غيره ، أو الأمر المردّد بينه وبين غيره ، إذ لا يعقل تعلّق الجنس بشيء وتعلّق فصله بغير ذلك الشيء وإلاّ لم يكن فصلا له.
ألا ترى أنّ العلم بقيام زيد مركّب عن جنس وهو الاعتقاد الراجح وفصل وهو الجزم والمطابقة للواقع ، وكلّ منهما متعلّق بالقيام ولا يعقل بعد تعلّق الاعتقاد به تعلّق الجزم والمطابقة بما يبائنه وهو القعود ، ولا بالمجموع منه ومن القعود ، ولا بما يتردّد بينهما وإلاّ لما كان علما بالقيام بالخصوص ، فإذا فرض في محلّ الكلام تعلّق الطلب بكلّ واحد من الأفعال بانفراده فكيف يعقل تعلّق المنع بترك المجموع منه ومن معادلاته مع أنّه فصل له ،