وكونه متعذّرا من أوّل الوهلة رافع لتوقّف إحراز تعذّره على شيء ، ومعه لا يعقل للفحص مقدّميّة فلا يعقل اتّصافه بالوجوب ، بل وجوبه على هذا التقدير شرطي ، لكونه شرطا لجواز العمل بالأصل كما هو مفاد الوجه الأخير ، ومن الممتنع صدق عنوان « الشرطيّة » عليه مع تحقّق ما هو مناط المشروط به الموجب لتحقّق المشروط.
ولا ينافي ذلك مفاد الوجه الأوّل ولا الوجه الثاني عند التحقيق ، لابتناء حكم العقل بجواز معاقبة التارك للفحص على كونه عقابا على ترك ذي المقدّمة كما هو الحال في سائر المقدّمات بالقياس إلى تركها ومخالفة الأمر بها ، وبناء العقلاء في خطاباتهم أيضا ناظر إلى هذا المعنى ، حيث لا يفهمون منها بالنسبة إلى الفحص إلاّ وجوبه للغير ، فلذا لا يبادرون إلى توبيخ من ترك الفحص في موضع الشكّ مع إدراكه الواقع لمجرّد الاحتمال أو تعويلا على الاحتياط الّذي هو حسن على كلّ حال.
ومنها : أنّه لو ترك الفحص في موضع إمكانه مع رجاء العلم فصادف تحقّق الشرط في الواقع فلا إشكال في استحقاقه العقاب على مخالفة الواقع ، المتحقّقة بترك المشروط ، لمصادفته تحقّق ما هو مناط تنجّز التكليف وهو التمكّن عن العلم به ، وأمّا لو صادف عدم تحقّقه ففي استحقاقه العقاب وجه مبنيّ على قبح التجرّي كما هو الأظهر ، لا على الواقع حيث لا مخالفة له ، ولا على ترك الفحص حيث إنّ وجوبه غيريّ.
ومن هنا ـ مضافا إلى ما سبق ـ تبيّن حكم الجاهل في العبادات ، فإنّ التحقيق فيه أنّه معذور مع القصور سواء خالف عمله الواقع أو طابقه ، كما أنّه معذور مع التقصير بالقياس إلى الواقع لو طابقه عمله إن جوّزنا له إمكان قصد التقرّب مع الجهل فإنّه غير خال عن الإشكال ، وإن كان غير معذور من جهة التجرّي ، وليس بمعذور معه بالقياس إليه أيضا لو خالفه عمله ، والحجّة على الجميع ما أشرنا إليه في هذا الفرع وسابقه.
ومنها : أنّه لو تعذّر عن الفحص ، أو تمكّن عنه وتعذّر له العلم ابتداء ، أو صادف فحصه تعذّره إلى أن انكشف له بعد زمان تحقّق السبب حين التعذّر ، فإن كان المحلّ باقيا ببقاء سبب الحكم وموضوعه فلا محيص من أداء الفرض لوجود المقتضي وفقد المانع ، وليس عليه بالقياس إلى ما سبق شيء ، كما أنّه لو كان المحلّ فائتا بارتفاع السبب والموضوع معا كما في إزالة النجاسة عن المسجد إذا حصلت بنزول المطر ونحوه ، أو ارتفاع الموضوع فقط كما في أحكام الموت إذا احترق الميّت أو القي في البحر ونحوه ، لا شيء عليه بالنظر