جهات شتّى وإن كانت دلالته مفهوميّة.
منها : أنّ الأوّل أقلّ أفرادا من الثاني ، ومن المقرّر المصرّح به أنّ العامّ كلّما قلّ أفراده قربت دلالته بخلاف ما لو كثرت أفراده.
ومنها : أنّ الثاني في مورد التخصيصات كثيرة بخلاف الأوّل ، وظاهر أنّ كثرة التخصيص من موجبات ضعف الدلالة بالقياس إلى قلّته ، بل التخصيص ولو واحدا ممّا يوجب وهنا في العامّ ، ولذا صار قوم إلى منع حجّية العامّ المخصّص.
ومنها : أنّ الثاني وارد مورد توهّم الاختصاص ، ولذا صرّح بعض الأعلام في غير موضع بكونه مختصّا باصول الدين بخلاف الأوّل.
وممّا ذكر يتّضح ما في قوله : « ولذا لو كانت عموما مطلقا لا ينفع ».
والأولى في منع نهوض خبر العدل حجّة في المقام أن يقال : بمنع نهوض آية النبأ دليلا على حجّية خبر الواحد مطلقا ، لأنّ العمدة في وجه الاستدلال إنّما هو البناء على مفهوم الشرط ، وهو على تقدير ثبوته هنا غير قاض بحكم نبأ العدل نفيا واثباتا ، إذ ليس نبأ العدل بما سيق الكلام لبيان حكمه لا منطوقا ولا مفهوما.
أمّا الأوّل : فواضح.
وأمّا الثاني : فلأنّ العبرة في المفهوم إنّما هو بالدلالة على انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط ، فلا بدّ وأن يكون المعتبر انتفائه في جانب المفهوم ما اعتبر ثبوته من الشرط في جانب المنطوق.
وظاهر أنّ ما اعتبر ثبوته في منطوق الآية إنّما هو مجيء الفاسق بالنبأ ، فيكون المعتبر في مفهومها عدم مجيء الفاسق بالنبأ ، فأقصى ما يحصل من الدلالة المفهوميّة حينئذ إنّما هو عدم وجوب التبيّن عند عدم مجيء الفاسق ، وأمّا مجيء العادل فليس بداخل فيه أصلا ولا أنّه من لوازمه عقلا ولا عرفا.
ودعوى : أنّه يشمل ما لو جاء العادل بنبأ فلا يجب التبيّن فيه أيضا.
يدفعها : أنّ هذا الشمول ليس ممّا يقتضيه لفظ ، حيث لا لفظ في جانب المفهوم ولا فهم عرفي ، حيث إنّه شيء يعتبره العقل من جهة أنّ قضيّة عدم مجيء الفاسق قد تجامع من باب الاتّفاق مجيء العادل ، ومثل هذا الاعتبار لا اعتداد به في نظر العرف ولا ينوط به أمر المحاورة وطريقة أهل اللسان كما لا يخفى على المتأمّل ، ولذا ترى أنّ العرف في مفهوم