وإلى الإنس كافة ، وذلك الكتاب الذي قرأه علينا أنزله الله عليه (مِنْ بَعْدِ مُوسى) عليهالسلام (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي مصدّقا لما في التّوراة ، ولم يذكروا عيسى عليهالسلام ولا الإنجيل مع أنّ عيسى عليهالسلام وكتابه كانا أقرب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وإلى كتابه فكانا أنسب بالذكر ، لأنهم كانوا باقين على اليهوديّة. وعن ابن عباس أنّ الجنّ ما سمعت أمر عيسى ، فلذلك قالوا من بعد موسى. ويمكن أن يكون وجه قولهم أنّهم سمعوا أمر عيسى ولكنّهم لم يعتبروه كما أن كثيرا من بني إسرائيل كانوا إلى الآن كذلك. والمراد بتصديقه أنّ ما كانت التوراة تحتويه ، كان القرآن أيضا مشتملا عليه من وجود الصّانع تعالى وتوحيده وكثير من أحكامه وأمثال ذلك. ومقصودهم من هذا الكلام بيان شاهد الصّدق كما أن وصفهم للقرآن بوصفين آخرين كذلك ، أي قولهم لجماعتهم على ما يحكيه سبحانه وتعالى (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) أي إلى ما هو ثابت وصحيح من العقائد الحقّة (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إلى شرائعه الموصلة إلى المطلوب. ثم إنّ الجنّ لمّا وصفوا القرآن بأوصاف موصلة إلى تصديقه ومرغّبة في قبوله ، أخذوا في هداية القوم وإنذارهم فقالوا :
٣١ ـ (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ ...) يعنون محمدا صلىاللهعليهوآله إذ دعاهم إلى خلع الأنداد والتّصديق بتوحيد الله والإيمان به وبرسوله وبما جاء به من عنده عزوجل ، فأجيبوا داعيه تعالى (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي بعض ذنوبكم لأن بعض الذنوب لا تغفر بالإيمان كالمظالم والغيبة والبهتان ونحوها من حقوق الناس ، فإن غفرانها برضاء الناس عن المذنب ، نعم ما يكون من خالص حقّ الله فالإيمان يجبّه ويمحوه (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي عذاب معدّ للكفّار. واختلف في أن الجنّ هل لهم ثواب جزاء لأعمالهم؟ فقيل نعم ، فانّهم مكلّفون كالإنس ، فيثابون إن أطاعوا الله ويعاقبون إن عصوه. وقيل لا ثواب لهم إلّا النّجاة من النار