الدالّ على أنهم من أهل النار (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) أي متواضعين تواضع ذلّة وحقارة (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) أي يتطلّعون نحو النّار من طرف أعينهم لا بتمامها بحيث لا يحسّ نظرهم إلّا من تحريك أجفانهم كالمصبور ـ أي المقتول صبرا والمحكوم عليه بالإعدام ـ ينظر إلى سيف الجلّاد خوفا من النار وهوانا في نفوسهم (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي بالتعريض للعذاب المخلّد. فأمّا أنفسهم فبعبادة الأوثان ، وأمّا أهاليهم فلإضلالهم إيّاهم ومنعهم عن الإيمان بالله والرّسول (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) أي فليعلم أن المشركين في عذاب دائم لا ينقطع أبدا ، اما من كلامهم ، أو تصديق من الله تعالى لهم فهو قول الله عزوجل. قال الرازي : إن لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر ، قال تعالى (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولكن لا يخفى إنّ هذا الاستدلال لا يثبت مدّعاه وهو دلالته على حصر الظالم بالكافر إذا أطلق ، بل يدل على أن الكافر ظالم ، وأمّا كلّ ظالم إذا أطلق فالمراد به الكافر فلا ، بل هو أعمّ منه ومن الفاسق كما هو مقتضى وضعه الأول وكما يستدلّ بهذه الآية الكريمة (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) التي يستفاد منها العموم. وقال القاضي عبد الجبّار بأنها تدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما.
٤٦ ـ (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ) ... أي ليس للظّالمين غير الله تعالى أنصار يدفعون عنهم عقاب الله ونكاله ويعملون لنجاتهم من النار. و (يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) أي كلّ من يخلّيه الله مع ضلالته لجحوده وعناده فليس له طريق إلى الهداية والرشاد والنجاة.
* * *