المعنى :
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ). الخطاب لمحمد (ص) ، والمراد بجانب الغربي المكان الواقع غربي الجبل ، كما في تفسير الطبري ، وهو المكان الذي كلم الله فيه موسى ، أما الجانب الأيمن الذي ورد في الآية ٥٢ من سورة مريم فالمراد به الجانب الذي يلي يمين موسى ، والمراد بالأمر الذي قضاه الى موسى اختياره للرسالة والنبوة ، والمعنى ان إخبار محمد (ص) عما حدث لموسى في غربي جبل الطور هو دليل قاطع على أنه وحي من الله ، والا فمن أين لمحمد العلم بتلك الحقائق والدقائق ، ولم يقرأها في كتاب ، ولا سمعها من أحد ، ولا شاهدها بنفسه.
(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ). المراد بالقرون الأمم التي مرت وانقرضت بين عهد موسى وعهد محمد ، وبين هذين العهدين حوالى ألفي عام. انظر ما نقلناه عن قاموس الكتاب المقدس عند تفسير الآية ٧ من هذه السورة ، والمعنى ان الأمم التي أنشأها الله بين العهدين المذكورين لم يبق منها أحد يخبّر عنها ، وهذا دليل واضح على ان علم محمد (ص) بها انما هو بوحي من الله ، هذا الى ان الناس قد طال الأمد بينهم وبين الأنبياء ، وأصبحوا في جاهلية جهلاء ، واحتاجوا الى نبي يرشدهم ويهديهم الى سواء السبيل ، فأرسل الله محمدا بشيرا ونذيرا ، وأخبر الناس عن أحوال الأمم الماضية وأنبيائهم بوحي منه تعالى للدلالة على نبوته من جهة ، وليتعظوا بمن كان قبلهم من جهة ثانية.
(وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ). مدين بلد شعيب ، وقد أخبر محمد (ص) عنه وعن قومه أهل مدين ، تماما كما لو أخبر شعيب نفسه الذي كان يتلو على قومه آيات الله مع ان محمدا لم يكن نبيا لأهل مدين يتلو عليهم الآيات ويأتيهم بالمعجزات ، ولكن الله هو الذي أخبره بذلك لأنه رسول الله الى عباده وأمينه على وحيه (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أي لم تكن حاضرا يا محمد حين نادى الله موسى بجانب الطور. وتسأل : لا فرق بين قوله تعالى : وما كنت بجانب الطور ، وبين قوله في الآية السابقة : وما كنت بجانب الغربي ، فما هو القصد من هذا التكرار في كلام واحد؟.