الوليد بن المغيرة بمكة ، وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف ، وعلى أحد هذين يجب أن ينزل القرآن لو كان هناك قرآن. وهكذا نفوا الرسالة عن محمد (ص) لا لشيء إلا لأنه لا يملك مالا ولا عقارا .. وجهلوا ان المال يملكه البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، أما الرسالة فهي وقف على الأكفاء وصفوة الأصفياء. ولا فرق عند الله سبحانه بين من نفى النبوة عن محمد لفقره ، وبين من يكرّم ويقدّر الأغنياء لمالهم وثرائهم ، ويزدري المؤمن الفقير لفقره وبؤسه ، لا فرق عند الله بين هذين إطلاقا ، وان نطق أحدهما بالشهادتين. غاية الأمر ان من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله يعامل في الدنيا معاملة المسلم ، أما في الآخرة فهو مع الجاحدين والمشركين.
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)؟. الهمزة للإنكار ، والمراد برحمة الله هنا النبوة ، والمعنى هل أمر النبوة بيد الطغاة المترفين ليختاروا لها من يشاءون ويحرموا منها من يريدون؟ وهل النبي مختار في قرية ، أو نائب في برلمان؟. ان النبوة منصب إلهي ، والنبي يبلغ عن الله سبحانه ، فهو لسانه وبيانه ، فهل يريد المترفون أن يختاروا لله من يبلغ عنه ويتكلم باسمه من لا يأتمنه ويرتضيه؟ وهل يجيز المترفون لأحد أن ينوب عنهم ، ويتكلم باسمهم دون أن يأذنوا له في ذلك؟ فكيف أجازوا على الله ما لا يجيزونه على أنفسهم؟
(نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). الله يرزق من يشاء ما في ذلك ريب ، ولكنه شاء أيضا أن لا يرزق إلا بسبب : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ـ ١٥ الملك. وهذه الأسباب أو السعي في الأرض على أنواع ، منها الصناعة والزراعة والتجارة والاستخدام الذي عبّر عنه سبحانه ب «سخريا» كالذي يستخدم في الدولة أو في المصنع أو عند تاجر أو طبيب وغيرهما من أرباب العمل ، وفي مفهوم الناس ان رب العمل أرفع من العامل ، أما عند الله تعالى فالأكرم والأرفع هو الأتقى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ـ ١٣ الحجرات .. (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ـ ١٣٣ آل عمران. وفي نهج البلاغة : «جاع رسول الله في الدنيا مع خاصته ـ أي خصوصيته عند ربه ـ وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته ،