فلينظر ناظر بعقله أكرم الله محمدا بذلك أم أهانه ، فإن قال : أهانه فقد كذب والعظيم ، وان قال : أكرمه فليعلم ان الله قد أهان غيره حيث بسط له الدنيا وزواها عن أقرب الناس منه».
وتسأل : وما ذا تفعل بقوله تعالى : «نحن قسمنا .. ورفعنا» فإنه صريح في ان الله هو الذي يفقر ويغني ويجعل هذا عاملا ، وذاك ربا للعمل؟
الجواب : ان قوله هذا حكاية للواقع الذي عليه الناس ، وأسنده اليه تعالى لأن التفاوت يرجع الى أسبابه الكونية مباشرة ، وإليه تعالى بالواسطة لأنه خالق الكون وموجده ، ويدل على إرادة هذا المعنى قوله سبحانه في آخر الآية : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) حيث أسند جمع المال الى الناس لا إليه .. وبهذا يمكن التوفيق بين الآيات الآمرة بالسعي من أجل الرزق ، والآيات التي أسندت الرزق الى الله عز وجل .. وأشرنا عند تفسير الآية ٢٧ من سورة الشورى إلى أنه تعالى قد يشمل بعض عباده بالتوفيق والعناية ، فيرزقهم من القليل كثيرا.
(ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا. أي معارج من فضة وأبوابا من فضة وسررا من فضة. والآية رد على من قال : ان الفقير لا يصلح للنبوة لأن الفقر منقصة في الخلق ، ويتلخص الرد بأن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، والآخرة خير عند ربك وأبقى ، ولكن الناس يؤثرون الدنيا على الآخرة ، ويميلون معها انّى اتجهت ، ولولا ذلك لأعطى سبحانه الكافر بيوتا من فضة بسقفها وأبوابها ومصاعدها وأثاثها ، وزادهم على ذلك من زخرف الدنيا وزينتها احتقارا لها .. وقال بعض العارفين : مال الناس مع الدنيا ، وما فعل الله ذلك ، فكيف لو فعل؟ وتدل هذه الآية على ان الله يلطف بعباده ، ويفعل ما يقربهم من الطاعة ، ويبتعد بهم عن المعصية ـ وعلى الأقل ـ لا يفعل ما يغريهم بالمعصية.
(وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي إن نعيم الدنيا مهما كان نوعه فهو الى زوال لا يستحق العناية والاهتمام ، وقد جاء التعبير عنه في بعض الآيات باللهو واللعب والغرور (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) وهم الذين أخلصوا لله في أقوالهم وأفعالهم.