والنهار ، وتصريف الرياح والسحاب ، وإحياء الأرض بعد موتها ، وحركة الكواكب ومنافعها ، وخلق الإنسان في أحسن تقويم ، وما إلى ذلك مما يدركه الإنسان بحواسه ويدل دلالة قاطعة على وجود الله ، وانه هو وحده الخالق المهيمن على كل شيء.
وإذا كان الله سبحانه يعتمد على الدليل الحسي لاقناع عباده ويخاطبهم بقوله : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) ـ ٢ الحشر أي العيون ، وقوله (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ٢٧ السجدة إذا كان كذلك فكيف يقال : ان الدين غيب في غيب لا يعتمد على الحس والتجربة؟ كلا ، انه يثبت بالحس والمشاهدة ما غاب عن العين تماما كما نثبت عقل العاقل من أقواله وأفعاله ، ويثبت علماء الطبيعة بالحس الكثير من من الحقائق التي لا تدرك بالحس والعيان ، وبهذا يتبين خطأ بعض الأدباء في قوله : «ان الله دائما يتقبل من الذين يؤمنون بالغيب دون حاجة الى برهان ودون حاجة الى عيان ـ مجلة صباح الخير ٢٦ ـ ٢ ـ ١٩٧٠» .. هذا ، الى أن علماء المسلمين أجمعوا على وجوب النظر لمعرفة الله تعالى والايمان به مستندين في ذلك الى حكم العقل والآيات القرآنية ، ولكن أديبا ما يقول العكس .. ومع ذلك يتصدى لتفسير القرآن.
قال ابن عربي في الفتوحات المكية : انك لا تقدر أن تنكر ما ترى ، كما انك لا تقدر أن تجهل ما تعلم ، وأنت ترى الوجود ، وتعلم به علم اليقين ، وهو حروف وكلمات وسور وآيات تنطق بوجود كاتبها وهو الله وان لم تره ، فالوجود قرآن الله الكبير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. انظر تفسير الآية ٤ من سورة الأنعام ج ٣ ص ١٦١ فقرة «لا دكتاتورية في الأرض ولا في السماء».
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). بعد ان قال سبحانه أنه يقيم الدليل لعباده في آفاق السموات والأرض وفي أنفسهم على ان الله حق ، والقرآن حق ، ونبوة محمد حق ، بعد هذا قال : وكفى بأدلته تعالى شاهد عدل وصدق على ذلك. وقال الصوفية في معنى الآية : ان الله هو الذي يشهد ويدل على وجود غيره ، أما هو فلا يحتاج شاهدا من غيره يدل عليه.