السابقة واسم السورة ورقم الآية ، والآن عاد الحديث الى قصة موسى ، وسيأتي أيضا .. وعند تفسير الآية ٩ من سورة طه ج ٥ ص ٢٠٦ فقرة «تكرار قصة موسى» بيّنا السبب الموجب لهذا التكرار ، والآن نعطف على ما بيّناه هناك انه من غير البعيد ان كل آية ، وان تكررت ، فإنها تلقي أضواء جديدة قد خفيت علينا لأننا لم نتصدّ للبحث عنها ، أو لأننا لا نملك الموهبة التي تؤهلنا لإدراكها ، ومهما يكن فإن الجديد في هذه الآيات التي نحن الآن بصددها والتي بعدها هو الحديث عن مؤمن آل فرعون.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ). هامان وزير فرعون ، وقارون أغنى رجل في عصره ، وقيل : انه كان وزير المالية عند فرعون .. والله سبحانه أرسل موسى لأهل زمانه كافة ، وخص بالذكر هؤلاء الثلاثة لأنهم أصل الفساد ومصدر الضلال ، ولو آمنوا لآمن الجميع (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) تماما كما قال الذين من قبلهم ومن بعدهم لمن جاءهم بالآيات والبينات.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ). أمر بقتل الذكور خوفا منهم ، وإبقاء الإناث للخدمة .. وتسأل : لقد أصدر فرعون هذا الأمر من قبل أن يأتي موسى ، فما هو القصد من هذا التكرار؟.
وأجاب بعض المفسرين بأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى ، فلما بعث الله موسى رسولا عاد فرعون إلى ما كان .. وهذا يحتاج إلى اثبات. وغير بعيد أن يكون الأمر الثاني بالقتل استمرارا للأول ، وانه لا يصح العدول عنه بحال.
(وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) ـ ٤٣ فاطر. (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ). يومئ هذا إلى ان بعض رجال فرعون أشاروا عليه أن لا يقتل موسى مخافة أن يثأر رب موسى من قاتله. قال فرعون : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ). فرعون مصلح لأنه يقول : أنا ربكم الأعلى. وما علمت لكم من إله غيري .. وموسى مفسد لأنه يدعو الى تحرير الإنسان من