لم تشهدها ، ولم تعرف سبل منافعها ، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك ، وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك وارادتك؟
(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ). فلا تضره معصية من عصى ، ولا تنفعه طاعة من أطاع ، (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) أي الرضا عنكم ان كنتم متقين (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ). قال الأشاعرة : ان الله مريد لجميع الكائنات حتى كفر الكافر وزنا الزاني وقتل القاتل ظلما وعدوانا لأنه خالق كل شيء ، ومع ذلك فهو ينهى عن الكفر والزنا والقتل (المواقف ج ٨ ص ١٧٣) أما التكليف بما لا يطاق فجائز عند الأشاعرة لأن الله لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء (نفس المصدر ص ٢٠٠). ولا شيء أوضح في الدلالة على بطلان هذا المذهب من قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ).
(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). وما يرضاه لنا فهو أمان ورحمة (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تجزي نفس عن نفس شيئا. وتقدم بالنص الحرفي في الآية ١٦٤ من سورة الانعام ج ٣ ص ٢٩٣ والآية ٥ من سورة الإسراء والآية ١٨ من سورة فاطر (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). اليه تعالى مصائر الخلق ، وبيده جزاء الأعمال ، وهو العليم بسرائر أصحابها وما يهدفون من ورائها.
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ). مسه أصابه ، والضر ما يؤذي ويسوء ، والإنابة الرجوع الى الله ، وخوله أعطاه ، والأنداد الأشباه ، والمعنى ان الإنسان إذا أصيب بنفسه أو أهله أو ماله التجأ الى خالقه خاشعا متضرعا ، فإذا كشف كربه وضره ، وأسبغ عليه من جوده وكرمه نسي تضرعه إلى خالقه ، واتجه الى غيره بالعبادة والطاعة .. وفي الآية إيماء الى ان الإنسان حين الضراء يعود الى فطرته التي فطره الله عليها. وتقدم مثله في الآية ١٢ من سورة يونس ج ٤ ص ١٣٩ والآية ٥٤ من سورة النحل ص ٥٢١ من المجلد المذكور والآية ٦٧ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٦٥.
(قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ). هذا تهديد ووعيد لمن