وكلمة التكوير غير بعيدة في دلالتها عن كروية الأرض ، ومن أجل هذا فنحن مع صاحب الظلال في قوله : ان التعبير بيكور يستدعي النظر في كروية الأرض. وقال مصطفى محمود في مجلة «صباح الخير» كما قال صاحب الظلال دون أن يشير اليه ، ولا أدري ان كان هذا من باب توارد الخاطر. وتقدم نظيره في سورة يس الآية ٣٧ ، ولم ترد فيها كلمة التكوير ، وعند شرحها أشرنا إلى دوران الأرض حول نفسها ، وان جانبها الذي يحاذي الشمس حين الدوران يكون نهارا ، وغير المحاذي يكون ليلا.
(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) تقدم في الآية ٢ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٣ والآية ٢٩ من سورة لقمان و ١٣ من سورة فاطر (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها). تقدم في الآية ١ من سورة النساء ج ٢ ص ٢٤٢ والآية ١٨٩ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٤٣٤ (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ). تقدم في الآية ١٤٣ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٧٤.
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ). خلقا من بعد خلق إشارة إلى ما جاء في الآية ٥ من سورة الحج : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) ج ٥ ص ٣١٠ ، والظلمات الثلاث هي ظلمة البطن والرحم والمشيمة ، وهذا الارتقاء من طور لآخر داخل هذه الظلمات دليل قاطع على وجود الباري المصور .. وإذا كان هذا الارتقاء من صنع الطبيعة مباشرة فإن الطبيعة من صنع من يقول للشيء «كن فيكون» ولا يعمى عن هذا إلا أعمى ، قال الإمام علي (ع) :
أيها المخلوق السوي والمنشأ المرعي في ظلمات الأرحام ، ومضاعفات الأستار ، بدئت من سلالة من طين ، ووضعت في قرار مكين الى قدر معلوم ، تمور (١) في بطن أمك جنينا لا تحير دعاء ولا تسمع نداء ، ثم أخرجك من مقرك الى دار
__________________
(١). تمور تتحرك ، ولا تحير لا تستطيع.