قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) ـ ٩٣ البقرة. و (١) اختلفوا في الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى ، ومنهم السيد المسيح (ع) ، ففريقا كذبوا ، وفريقا يقتلون كما في الآية ٨٧ من سورة البقرة. وأيضا اختلفوا في نبوة محمد (ص) ، وما آمن به إلا قليل .. ولو كانوا طلاب حق لاتفقوا على الأخذ بالقرآن الذي قامت الدلائل والبراهين على صدقه (وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). هدى لمن طلب الهداية ، ورحمة لمن عمل بأحكامه وتعاليمه.
(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ). يقضي يوم القيامة حيث تزاح الأباطيل وتضمحل العلل ، يحكم ويفصل الله بين بني إسرائيل وغيرهم فيما اختلفوا ويختلفون فيه من شئون الدين والدنيا (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فمن التجأ اليه فهو في كهف حريز ، ومانع عزيز (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) والمحقّ لا يبالي بما قيل ويقال عنه.
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ). هذه الجمل تهدف الى شيء واحد ، وهو ان هناك صفات تميت القلب ، وتدفع بالإنسان أن يصر على الكفر والنفاق والضلال ، وتجعله والموتى سواء لا تجدي معه عظة ولا إنذار ، ومن أهم هذه الصفات الطمع والحرص على المكاسب والمناصب .. وقد تكرر هذا المعنى بأساليب شتى ، منها قوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) ـ ١٧٩ الأعراف. ج ٣ ص ٤٢٥ ، وقوله : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ. أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) ـ ٤٣ يونس ج ٤ ص ١٦٢ (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ). ان الذي يسمع منك ويطيعك يا محمد هو الذي يطلب الحق لوجه الحق بحيث إذا قام عليه الدليل آمن به وانقاد له ، أما أرباب المطامع والمصالح فيولون عنك مدبرين.
__________________
(١). من أغرب ما قرأت ما نقل عن كتاب التلمود ، وهو كتاب منزل كالتوراة عند اليهود أو الكثير منهم : «ان الله إذا نزل به مسألة معضلة استشار الخاخامات في حلها ، وانه في ذات يوم رأى رأيا خاطئا ، فنبهه الى خطئه أحد الخاخامات ، فاعترف وأذعن».