(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ). وقع أي ثبت ولزم ، والمراد بالقول هنا ما وعد الله به من قيام الساعة ، وبالناس الكافرون ، أما الدابة فقد كثر الكلام فيها ، والله سبحانه لم يبيّن لنا ما هي. والحديث عن المعصوم في بيانها لم يثبت ، حتى ولو صح سنده لم نعمل به لأنه خبر واحد ، وهو حجة في الأحكام الفرعية ، لا في الموضوعات وأصول العقيدة ، والقول بغير علم حرام ، فلم يبق إلا الأخذ بظاهر الآية الذي يدل على ان الله سبحانه عند ما يحشر الناس للحساب يخرج من الأرض مخلوقا يعلن ان الكافرين جحدوا الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة على وجود الله ووحدانيته ، ونبوة رسله.
وتسأل : لما ذا لم يبين سبحانه حقيقة هذه الدابة ، وترك الناس في حيرة من أمرها ، حتى قال من قال فيها بالجهل والوهم؟
الجواب : ان الغرض من ذكرها هو مجرد التشهير بالكافرين ، وانهم يحشرون غدا أذلاء مفضوحين على رؤوس الاشهاد ، وهذا الغرض يحصل بمجرد الاشارة إلى الدابة ، وان لم تعرف باسمها وحقيقتها. فهذه الآية أشبه بقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ـ ١٠٦ آل عمران.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا). ممن يكذب (من) هنا بيانية ، وليست للتبعيض ، مثلها في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) أي كل الأوثان لا بعضها ، والمعنى ان في الأمم مصدقين بآيات الله ومكذبين بها ، والله سبحانه يحشر غدا للحساب والجزاء جميع المكذبين دون استثناء ، ومعلوم ان الله سبحانه يحشر المصدقين والمكذبين ، ولكن الغرض من ذكر المكذبين التهديد والوعيد (فَهُمْ يُوزَعُونَ) تمنعهم الملائكة من الذهاب يمنة ويسرة ، وتسوقهم إلى الموقف سوق النعاج إلى الذبح.
(حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). إذا وقف الجاحدون بين يدي الله غدا للحساب يقول لهم موبخا ومقرعا : لما ذا كذبتم رسلي ، ولم تستجيبوا لدعوتهم؟ وإذا كنتم جاهلين بصدقهم فلما ذا أعرضتم عن أدلتهم التي توجب العلم ، ولم تنظروا اليها نظرة من يطلب الحق ويبحث عنه